الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موافقة والد الفتاة التي يراد خِطبتها، هل يسوّغ استمرار الحديث معها؟

السؤال

منذ فترة ليست بالطويلة تعرفت إلى فتاة على الفيسبوك، وتواصلت معها، وأحببنا بعضنا، وأحببتها لدرجة أني أريدها زوجة لي؛ لما رأيت منها من طِيبة، وأخلاق، وبعد أن تبت إلى الله، عرفت -من موقعكم، ومن عدة مواقع أخرى- أن الحديث معها حرام، وأردت أن أرضِي الله، وأن ننفصل عن بعضنا؛ حتى أترك الحرام من أجل رضا الله، ولكني وجدت أن الله أمرنا أن ندخل البيوت من أبوابها، والفتاة تعيش في المغرب، وأنا في تونس، فتحدّثت مع أبي البنت، وأخبرته بكل شيء، ولم أُخْفِ عليه شيئًا؛ حتى أنني تحدّثت معه من حساب ابنته، وقلت له: إني أريد خطبة ابنته، والزواج منها، وبعد محاولتي أنا وهي معه، وافق، وسمح لنا بالحديث مع بعضنا، واتّفقنا على أن أكمل دراستي، وأذهب لخِطبتها منه مع أهلي، فأنا لم أجد غير هذا الباب؛ لأكسب رضا الله، وأتوب إليه، وأجعل علاقتنا في الحلال، وواللهِ إنها لو كانت من نفس بلدي، لتقدّمت لخطبتها فورًا، فهل هذا يكفي حتى يرضى عني الله أم لا؟ مع العلم أن الفتاة كانت غير مسلمة، وتحجّبت -والحمد لله-، ودخلت الإسلام، وواللهِ إني أحسّ أحيانًا أنها أفضل مني بكثير في الأخلاق، والطِّيبة، وكثير من الأشياء، وأنها تُكمِّلني، وأننا نعين بعضنا على أن نرضي الله في كل شيء، ونلوم بعضنا دائمًا إن أخطأ أحدنا، ووقع في خطأ يغضب الله، علمًا أننا لم نتحدّث يومًا في ما يغضب الله، ولم ترسل لي الفتاة صورًا

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد أحسنتما بحرصكما على الابتعاد عما لا يرضي الله تعالى، وهذا من شأن المؤمنين؛ فنسأل الله تعالى أن يرزقكما الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى، وأن ييسر لكما الزواج؛ فقد ثبت في الحديث الذي رواه ابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم ير للمتحابين مثل النكاح.

قال المناوي في "فيض القدير": إذا نظر رجل لأجنبية، وأخذت بمجامع قلبه؛ فنكاحها يورثه مزيد المحبة، كذا ذكر الطيبي. وأفصح منه قول بعض الأكابر: المراد أن أعظم الأدوية التي يعالج بها العشق النكاح؛ فهو علاجه الذي لا يعدل عنه لغيره، ما وجد إليه سبيلًا. اهـ.

وقولك: "فهل هذا يكفي حتى يرضى عني الله أم لا؟": إن كنت تشير به إلى كلامك مع والد الفتاة، والسؤال عما إن كان ذلك يكفي للتوبة عما سبق من تواصل مع هذه الفتاة؟

فالجواب هو: أن التوبة لها شروطها، قال النووي في رياض الصالحين: قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدميّ؛ فلها ثلاثة شروط:

أحدها: أن يقلع عن المعصية.

والثاني: أن يندم على فعلها.

والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدًا.

فإن فقد أحد الثلاثة؛ لم تصحّ توبته. اهـ.

وإن كنت تشير بتلك العبارة بأن كلامك مع والد الفتاة يسوّغ لك مواصلة التواصل معها.

فالجواب هو: أن تواصلك معها محرم بكل حال؛ حتى يعقد لك عليها العقد الشرعي، وتصبح زوجة لك.

فالواجب قطع هذا التواصل، والصبر حتى ييسر الله لكما الزواج، خاصة وأنك لا تزال في مرحلة الدراسة، وقد يتأخّر الزواج لأجل ذلك.

ونختم هنا بالتنبيه إلى أنه لا ينبغي لك أن تكتفي بما ظهر لك من حال هذه الفتاة من خلال تواصلك معها، بل الأولى سؤال الثقات عنها ممن يعرفونها، إن تيسر لك ذلك، وأن لا تتزوج منها؛ حتى يتبين لك حقيقة حالها. ولعل هذا سبب الفشل في كثير من الحالات التي يتم الزواج فيها لمجرد التعارف عبر الإنترنت، ونحوه، من غير مراعاة لما أرشدنا إليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني