الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سداد الابن دَين الأب، ورفع الصوت عليه لمنع ظلمه للأمّ

السؤال

أنا شاب عمري 28 سنة، ومنذ أن أفقت على الحياة عرفت أن والدي رجل غير مسؤول، ووالدتي هي المسؤولة عن تربيتنا، فقد كانت تعمل وتربّينا؛ لأني والدي كان مسجونًا بسبب أخذ أموال من الناس.
وحينما أتم عشر سنوات، خرج من السجن، وأنا منذ ذلك السن أعمل لتوفير المال؛ وأبي كان رجلًا غير مسؤول لا يعمل، ولكنه يأخذ من الناس أموالهم؛ فأضطر إلى دفع تلك الأموال؛ بحجة أنه والدي، ولحديث: "أنت ومالك لأبيك"، وطول تلك الفترة التي تجاوزت ال 18 سنة وأنا أعمل، وأسدد ديون والدي، وأتكلّم معه، وأنصحه بألا يأخذ أموالًا من أحد، وأن أتكفّل بكل مصاريف معيشته، ولكن دون جدوى.
عمري تجاوز 28 سنة، ولا أستطيع أن أتزوّج؛ لأن كل أموالي صرفتها في تسديد ديون أبي، واقترضت أيضًا.
وفي آخر مرة دفعت كل الديون التي عليه، وأقسمت له أنه لو أخذ أموالًا من أحد مرة أخرى، فلن أدفع شيئًا، ولكن دون جدوى، فقد أخذ أموالًا من الناس مرة أخرى.
أتكلّم معه، فيسبّني، وأعتقد أنه يريد أذيّتي بهذه الطريقة، ولا يريد أن أفعل أي شيء في حياتي، ويعامل والدتي بطريقة سيئة جدًّا، ويضربها، ويسبّها؛ فأضطر إلى أن أرفع صوتي عليه، ولكن هذا من أجل والدتي، فماذا أفعل وأنا شاب وأريد أن أتزوّج، ولكني لا أستطيع بسبب مشاكل أبي؟ أفتوني -أثابكم الله-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان أبوك فقيرًا؛ فالواجب عليك أن تنفق عليه بالمعروف، ما دمت موسرًا.

أمّا سداد ديونه؛ فليس واجبًا عليك، ولا إثم عليكم في ترك سدادها، قال الحطّاب -رحمه الله- في مواهب الجليل: وَدَيْنُ أَبِيهِ، لَيْسَ عَلَيْهِ حَالًّا، وَلَا مُؤَجَّلًا. انتهى.

وقال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وإن ادّعى على أبيه دَينًا، لم تسمع الدعوى؛ حتى يدّعي أن أباه مات، وترك في يده مالًا؛ لأن الولد لا يلزمه قضاء دَين والده، ما لم يكن كذلك. انتهى.

وعليه؛ فلك أن تمتنع من سداد ديون أبيك، وتدّخر أموالك لتتزوج.

لكن لا يجوز لك أن تسيء إلى أبيك، أو ترفع صوتك عليه، ولو كان مسيئًا أو ظالمًا لأمّك؛ فحقّ الوالد عظيم، ولا يسقط حقّه بظلمه، أو إساءته، لكن عليك النصيحة له، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر برفق، وأدب، من غير إغلاظ، ولا إساءة، قال ابن مفلح -رحمه الله-: قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى: يَأْمُرُ أَبَوَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاهُمَا عَنْ الْمُنْكَرِ.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: إذَا رَأَى أَبَاهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ، يُعَلِّمُهُ بِغَيْرِ عُنْفٍ، وَلَا إسَاءَةٍ، وَلَا يُغْلِظُ لَهُ فِي الْكَلَامِ، وَإِلَّا تَرَكَهُ. وَلَيْسَ الْأَبُ كَالْأَجْنَبِيِّ. انتهى من الآداب الشرعية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني