الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأدلة على تحريم الموسيقى

السؤال

لماذا الموسيقى حرام؟ ومن الذي حرمها؟ وأريد دليلا قاطعا، وليس الأحاديث.
فالقرآن الكريم لا يحرم الموسيقى، كما جاء عن الخمر والميسر والزنا، فالموسيقى لم تذكر قطعيا، فبعض الفقهاء أو المفتين يحرمون الموسيقى بذكر (اللغو).
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:

فالحرام ما حرمه الله في كتابه، أو حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته.

كما أن الواجب ما أوجبه الله، أو أوجبه رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن زعم الاكتفاء بما جاء صريحا في نص القرآن الكريم، والاستغناء به عما جاء في صحيح السنة، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وكان في زعمه للإسلام واكتفائه بالقرآن كاذبا. وبيان ذلك من وجوه:

منها: أن القرآن نص في آيات كثيرة على الاقتران بين طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمر بالأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء به؛ قال تعالى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ {آل عمران:32}، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ {الأنفال:20}، وقال تعالى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {النور:54}، وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا {الحشر:7}، وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا {الأحزاب:21}. والآيات في هذا المعنى كثيرة.

فكيف نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونأخذ عنه ونقتدي به، ونحن راغبون عن سنته، معرضون عما نقل إلينا منها من أقواله وأفعاله وتقريراته؟ يا للعجب!!!

ومن وجوه بيان ذلك أيضا: أن السنة شارحة للقرآن مبينة له، قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {النحل:44}.

وقد تأتي منشئة للأحكام؛ لأنها وحي من الله تعالى إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3، 4].

فمن زعم الاكتفاء بما نص عليه القرآن، لم يمكنه أداء الصلاة، ولا إخراج الزكاة، ولا الحج، ولا كثير من العبادات التي ورد تفصيلها في السنة، فأين يجد المسلم في القرآن أن صلاة الصبح ركعتان، وأن الظهر والعصر والعشاء أربع، والمغرب ثلاث؟! وهل يجد في القرآن كيفية أداء هذه الصلوات، وبيان مواقيتها؟ وهل يجد في القرآن أنصبة الذهب والفضة، وبهيمة الأنعام، والخارج من الأرض، وهل يجد بيان القدر الواجب إخراجه في ذلك؟ وهل يجد المسلم في القرآن كفارة الجماع في نهار رمضان، أو حكم صدقة الفطر والقدر الواجب فيها؟ وهل يجد المسلم تفاصيل أحكام الحج من الطواف سبعا وصفته وصفة السعي، ورمي الجمار والمبيت بمنى؟ إلى غير ذلك من أحكام الحج.

وبهذا يعلم قطعا أنه لا يمكن لأحد أن يكتفي بالقرآن، ثم يظل يزعم أنه من المسلمين.

وكذلك، فالسنة تستقل بإيجاب بعض العبادات كزكاة الفطر، ووجوب الختان، وإيجاب الوضوء من أكل لحم الإبل عند من أوجبهما، أو الوضوء من النوم، أو إيجاب الغسل من التقاء الختانين ولو بلا إنزال، وإيجابه بإسلام الكافر، وكوجوب غسل نجاسة الكلب سبعا عند من أوجبه، إلى غير ذلك مما أوجبته السنة استقلالا.

كما أن السنة تستقل بتحريم بعض الأمور أيضا، ومن ذلك تحريم لبس الرجل للذهب والحرير. وتحريم نكاح المتعة، وتحريم أكل الحمر الأهلية، وتحريم أكل كل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير، وتحريم بيع المسلم على بيع أخيه وخطبته على خطبة أخيه، وتحريم التفاضل في الأصناف الستة، والأمثلة على ذلك كثيرة لمن تتبع أبواب الفقه.

وقولك: (فالقرآن الكريم لا يحرم الموسيقى، كما جاء عن الخمر والميسر والزنا).

جوابه على فرض استقامته: أننا سنقول أيضا: بأن القرآن لا يحرم لبس الرجل الذهب والحرير.... وهلم جرا. فنبطل ما ثبت تحريمه بالسنة.

وقد ثبت في السنة تحريم آلات المعازف في جملة من الأحاديث الصحيحة منها قوله صلى الله عليه وسلم: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف. رواه البخاري في صحيحه معلقا بصيغة الجزم.

وقد رد العلماء على ابن حزم في تضعيفه لهذا الحديث.

ومن ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عن مصيبة. رواه البزار وحسنه الألباني، وقوله صلى الله عليه وسلم: إني لم أنه عن البكاء، ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة: لهو ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة: لطم وجوه، وشق جيوب، ورنة شيطان. رواه الحاكم والبيهقي وابن أبي الدنيا وحسنه الألباني.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم علي -أو حرم- الخمر والميسر والكوبة، وكل مسكر حرام. رواه أبو داود وأحمد والبيهقي وصححه الألباني، والكوبة: الطبل.

وقد انعقد إجماع العلماء قديما على تحريم استعمال آلات اللهو والمعازف إلا الدف، وممن حكى هذا الإجماع أبو الطيب الطبري والقرطبي وابن رجب وابن الصلاح وابن حجر الهيتمي وغيرهم. وللعلماء في هذا المسألة مصنفات مشهورة منها: كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع لابن حجر الهيتمي، ومنها إغاثة اللهفان لابن القيم، وله رسالة مستقلة في حكم الغناء، ولابن رجب رسالة في ذلك.

ومن أراد الوقوف على الأحاديث القاضية بتحريم المعازف، وتخريجها وتفصيل الكلام عليها فلينظر كتاب: تحريم آلات الطرب للشيخ الألباني رحمه الله.

ونصيحتنا للأخ السائل أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره، مما بدر في كلامه الموحي بعدم التسليم للسنة والانقياد لها، والاكتفاء بالقرآن الكريم في تحريم المحرمات، وليحذر أن يكون ممن قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، مما أمرت به، أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني من حديث أبي رافع -رضي الله عنه- وفي لفظ لأحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني: ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل ما حرم الله.

على أن من أهل العلم من استنبط تحريم استماع اللهو من كتاب الله تعالى، لكن ما جاء في السنة أصرح وأظهر.

ولو قال قائل: إن التحريم الصريح للمعازف موجود في كتاب الله، لكان صادقا؛ لما ثبت في الصحيحين -وهذا لفظ مسلم- من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله. فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله. فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف، فما وجدته. فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله عز وجل: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.. الحديث.

وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني