الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مّن نذر التصدّق بنصف المال الذي سيملكه من المكافآت، فقرّر والداه إهداءه هدية عينية

السؤال

نذرت نذرًا بأن المال الذي سيكون ملكي وفي يدي -مكافأة على الثانوية- سأتصدّق بنصفه، وعندما علم أبواي قرّرا أن يعطياني مكافأتي على شكل الهدية التي أريدها، لا أن يعطوني مبلغًا ماليًّا في يدي، أما ما يأتي من غيرهما؛ فأتصدّق بنصفه -كما نذرت-، فهل هذا من التحايل على الله؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن المالَ -في الشرع، واللغة- يشمل كل ما يُتَموَّل -من نقد، أو عَين-.

لكن إن كنت في نذرك قد نويت بالمال النقود فقط؛ فلا يلزمك التصدّق بشيء مما يُهدَى إليك من الهدايا العينية؛ وذلك لأن المَرجِع في النذر إلى نية الناذِر، كما أن المَرجِع في اليمين إلى نية الحالِف، قال ابن قدامة في المغني: ويُرجَع في الأيمان إلى النية، وجملة ذلك: أن مبنى اليمين على نية الحالِف، فإذا نوى بيمينه ما يحتمله؛ انصرفت يمينه إليه، سواء كان ما نواه موافقًا لظاهر اللفظ، أو مخالفًا له. اهـ.

وقال أيضًا: فإن النذر كاليمين، وقد سمّاه النبي صلى الله عليه وسلم يمينًا. اهـ.

وقال القرافي في الذخيرة: والمعتبر في النذور النية. اهـ.

ولا حرج في أن يهديك والداك هدية عينية بدلًا من الهدية النقدية؛ مراعاةً لنذرك؛ فالهدية ليست واجبة عليهما أصلًا، وليس في ذلك احتيال لإسقاط واجب، أو تحليل محرّم، فضابط الحيل المحرمة -كما قال ابن القيم في إغاثة اللهفان-: أن يقصد حلّ ما حرّمه الشارع، أو سقوط ما أوجبه، بأن يأتي بسببٍ نصبه الشارع سببًا إلى أمر مباح مقصود؛ فيجعله المحتال المخادِع سببًا إلى أمر محرّم مقصود اجتنابه؛ فهذه هي الحيل المحرمة التي ذمّها السلف، وحرّموا فعلها وتعليمها. اهـ. وانظر الفتوى: 301741.

وأما إن لم تخصّ نذرك بالنقد، بل كان نذرك على ظاهر اللفظ في المال كله؛ فإنه يلزمك التصدّق بنصف ما يُهدَى إليك من الهدايا العينية أيضًا، فإن لم يمكن قسمتها؛ فإنك تتصدّق بنصف قيمتها.

بل ذهب بعض العلماء إلى أن من نذر الصدقة بعَين؛ فله أن يتصدّق بقيمتها، أو يبيعها ويتصدّق بثمنها مطلقًا -ولو أمكنه الصدقة بالعين-، جاء في الحاوي الكبير للماوردي: وإن كان المتاع مما لا يمكن تفريقه فيهم؛ لأنه بغيره أنفع؛ كالطِّيب، واللؤلؤ، والجوهر، كان حقّهم في قيمته. وهل يلزم الناذر بيعه، أو دفع قيمته؟ فيه وجهان. اهـ.

وفي البحر الرائق لابن نجيم: وسئل خَلَف عمن أوصى أن يتصدّق بهذا الثوب، قال: إن شاؤوا تصدّقوا بعينه، وإن شاؤوا باعوا وأعطوا ثمنه، وإن شاؤوا أعطوا قيمة الثوب، وأمسكوا الثوب.

وقال محمد بن سلمة: بل يتصدّق بعَينه كما هو. وكذا اللقطة، ولو نذر وقال: لله عليّ أن أتصدّق بهذا الثوب؛ جاز أن يتصدّق بقيمته.

قال الفقيه أبو الليث: بقول خَلَف نأخذ ... اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني