الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

كيف تنظم الشريعة الغراء علاقة المقرض والمقترض؟ (أقصد مايخص الأشخاص وليس المؤسسات) بمعنى أنني أرى بعض الإخوة كثير الاقتراض - وأحاول أن أنهاه - فيقول إن درهم القرض أفضل من درهم الصدقة - هل هذا صحيح؟ بمعنى أن الأفضل لي أن أقرض شخصا ما على أن أخرج نفس المال كصدقة؟ ومن ناحية أخرى استعاذ رسولنا عليه الصلاة والسلام من المغرم والمأثم - أرجوالتوضيح والاستفاضة .
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فيجوز للإنسان أن يستدين إذا علم من نفسه القدرة على الوفاء، ولكن لا ينبغي للمسلم أن يتساهل بالاستدانة لأدنى سبب، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم التشديد في الدين في حق المستدين، فعن محمد بن عبد الله بن جحش قال: كنا جلوساً بفناء المسجد حيث توضع الجنائز، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهرانينا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره قِبَل السماء فنظر، ثم طأطأ بصره، ووضع يده على جبهته ثم قال: سبحان الله سبحان الله، ماذا نزل من التشديد؟ قال: فسكتنا يومنا وليلتنا، فلم نرها خيراً حتى أصبحنا. قال محمد: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما التشديد الذي نزل؟ قال: في الدين، والذي نفس محمد بيده، لو أن رجلاً قتل في سبيل الله، ثم عاش، ثم قتل في سبيل الله، ثم عاش وعليه دين، ما دخل الجنة حتى يقضى دينه. رواه أحمد. وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها! قالوا: وما ذاك يا رسول الله ؟ قال: الدين. رواه أحمد. وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة ويقول: اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم. فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم! قال: إن الرجل إذا غرم: حدث فكذب، ووعد فأخلف. متفق عليه، ولا ريب أن هاتين الصفتين من صفات المنافقين، وحري بالمسلم أن يبتعد عن كل ما يؤدي للتخلق بصفاتهم، وليس القرض أفضل من الصدقة، في حق المقرض، بل الصواب أن الصدقة في حقه أفضل من القرض، فقد قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:280 }. قال الإمام الجصاص في كتابه أحكام القرآن: يعني والله أعلم: أن التصدق بالدين الذي على المعسر خير من إنظاره به، وهذا يدل على أن الصدقة أفضل من القرض لأن القرض إنما هو دفع المال وتأخير استرجاعه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قرض مرتين كصدقة مرة. وأما ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر فقلت يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة قال لأن السائل يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة. رواه ابن ماجة، فهو حديث ضعيف، قال الكناني في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه: هذا إسناد ضعيف، وقال الألباني: ضعيف جدا. وقال النفراوي في الفواكه الدواني: المعتمد أن الصدقة أفضل من القرض، لأن المتصدق لا يأخذ بدلها بخلاف المقرض، والحديث ضعيف. وأما في حق المقترض، فإن كان يرجو الوفاء فلا ريب أن القرض أفضل من أن يطلب الصدقة، لما في ذلك من صون وجهه عن ذل المسألة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لاتزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس على وجهه مزعة لحم. متفق عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني