الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصوفية.. بين القديم والحديث

السؤال

هل توجد صوفية معتدلة، وما رأيكم في أساتذة في علم الحديث يتبعون المذهب الصوفي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن أعلى درجات الدين هي الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، وخير ديننا الورع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: وخير دينكم الورع. ولما سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك. رواه ابن ماجه وصححه الشيخ الألباني.

وقد امتثل جيل الصحابة هذه الوصايا النبوية وتمسكوا بالآداب والأخلاق الإسلامية، واستقامت قلوبهم وجوارحهم، فالإحسان والورع والزهد من الدين، وينبغي لكل مسلم أن يتصف بذلك، ولكن لما انقرض جيل الصحابة ودخلت الدنيا على الناس وتوسعوا في المأكل والمشرب والملبس ونحو ذلك، قامت في الناس دعوة إلى الزهد في هذه الدنيا والورع عما فيه شبهة، والإحسان في العبادة ومجاهدة النفس وحملها على محاسن الأخلاق، ثم أطلق على هؤلاء العباد الزهاد فيما بعد لقب صوفية، ومن هؤلاء أبو سليمان الداراني ومعروف الكرخي والفضيل بن عياض وسهل بن عبد الله التستري والجنيد.

فالصوفية الأوائل لم يأتوا بجديد، وإنما دعوا إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام, ثم لما بَعُد العهد وطال الأمد ونسي العلم غلا القوم وتنطعوا ومزجوا التصوف بالبدع، بل وبالشرك، ثم أدخلت عليه المذاهب الفلسفية، فأنتج بدعاً عقدية عظيمة كبدعة القول بوحدة الوجود، وبدعة القول بالحلول، وراجت أفكار الزنادقة التي ترمي إلى إسقاط التكاليف بعد مرحلة معينة من المجاهدة والترقي فيما يزعمون، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13353، 596، 11542.

والحاصل أن صوفية الجنيد والفضيل أصبحت في ذاكرة التاريخ وبطون الكتب ولم يعد لها حضور عند الصوفية المعاصرة، ولقد كشف شيخ الإسلام ابن تيمية انحراف الصوفية وبين مخالفتهم لأصول ثلاثة كبار هي: التوحيد والاتباع والجهاد، فقد تلبسوا بالشرك الخفي والجلي وأحدثوا بدعاً متعددة فأجازوا صرف عبادات لا تكون إلا لله إلى بعض المخلوقين المقبورين، فأجازوا دعاءهم والاستغاثة بهم والذبح والنذر لهم ونحو ذلك، قال شيخ الإسلام: وأما الجهاد في سبيل الله فالغالب عليهم أنهم أبعد عنه من غيرهم. وقال رحمه الله تعالى: وهؤلاء يدعون محبة الله في الابتداء، ويعظمون أمر محبته، ويستحبون السماع بالغناء والدفوف، ويرونه قربة لأن ذلك بزعمهم يحرك محبة الله في قلوبهم، وإذا حُقق أمرهم وجدت محبتهم تشبه محبة المشركين لا محبة الموحدين، فإن محبة الموحدين بمتابعة الرسول والمجاهدة في سبيل الله. وهؤلاء لا يحققون متابعة الرسول، ولا الجهاد في سبيل الله، بل كثير منهم -وأكثرهم- يكرهون متابعة الرسول، وهم من أبعد الناس عن الجهاد في سبيل الله، بل يعاونون أعداءه، ويدعون محبته. انتهى باختصار.

هذا، وأما كون بعض علماء الحديث قد انتموا لمذهب الصوفية، فلا يخلو حالهم من أن يكونوا على طريقة الزهاد العباد الذين اشتغلوا بتزكية أنفسهم، فهؤلاء يُمدحون، أو أن يكونوا على طريقة المنحرفين الخرافيين الذين تلبسوا بالشرك والبدع، وهؤلاء لا حجة في فعلهم.

فالحمد لله الذي لم يجعل الحجة في أقوال الرجال وإنما في الكتاب والسنة، وقد قال علي بن أبي طالب: الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله. وللفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8500، 13742، 4378، 31967، 53523.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني