الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جوازالمطالبة بالتعويض عن مدة الحبس، وبيان معنى التشدد والتساهل في الدين

السؤال

كنت طالبا في الجامعة وكنت متفوقا وقبل السنة الأخيرة تم اعتقالي لأنني بنيت مسجدا وبسبب لحيتي وتحفيظي القرآن للناس وبسبب شكوى كيدية ولم يتحقق المسؤولون من كذب الشكوى وأنهيت كليتي وكنت الأول ولكن عمرى كان 31 عاما ورفضوا عملي معيدا رغم أني حلقت لحيتي ولم يكن لي علاقة بأحد من المتشددين وأبرأ إلى الله من كل ماهو مخالف لمنهج الرسول الكريم من الوسطية والاعتدال، وسؤالي لقد تركت بلدي رغبة في الرزق الحلال ولا أستطيع إعفاء لحيتي مرة أخرى لطبيعة عملي ولأني سأعود لبلدي ولا أريد مشاكل وبعض الناس يعايروني لحلقي اللحية ويحرمون فعلتي رغم أني الآن عندي أكثر من 36 عاما ومعي أولاد أريد أن أربيهم على الخير بعيدا عن الفتن فهل يجوز لي حلقها أم لا وهل لي أن أرفع قضايا تعويضا على مامر بي من حرمان وفقر وتعذيب وضرر وهل مال التعويض حلال وسامحوني على السؤال ولكني في حيرة وسبل الرزق شديدة ودعواتكم لي بالتوفيق والرزق.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن إعفاء اللحية من شعائر الإسلام الظاهرة، وسيمى المسلمين البارزة، ومن هديه صلى الله عليه وسلم وهدي صحابته الكرام. فلا يجوز للمسلم حلقها لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمره بإعفائها كما بينا في الفتوى رقم: 14055، ولكنه ربما تعرض للمسلم ظروف وتعترض طريقه عوائق تحمله على ارتكاب بعض المنهيات أو ترك بعض المأمورات. وقد بينا حكم حلق اللحية لمن له ظروف سياسية تجبره على ذلك في الفتوى رقم: 3198. وأما هل يجوز لك المطالبة بتعويض عن حبسك ، فالجواب والله تعالى أعلم أن التعويض عن الحبس وما يجره من فوات عمل ومنع منه أو من طلبه محل اختلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى أن مجرد حبس الحر ومنعه من العمل لا يلزم له فيه تعويض. وإنما تلزم له أجرة مثله لو استخدمه، ومنهم من يرى أن من حبس حرا ضمن له أجرة عمله، جاء في شرح الدسوقي في شرح مختصرخليل المالكي عند كلامه على الغصب ما معناه أن من عطل حرا عن العمل فلا شيء عليه، وهذا المعنى في سائر شراح مختصر خليل وجاء أيضا هذا المعنى في كتب الشافعية، ففي نهاية المحتاج عطفا على ما لا يضمن: وكذا منفعة بدن الحر لا تضمن إلا بالتفويت في الأصح دون الفوات كأن حبسه ولو صغيرا....وجاء في كتب الحنابلة ما يخالف هذا، وهو أن من حبس حرا عن العمل لزمته أجرته ولو لم يستخدمه، كما في الفتوى رقم: 46311. وعلى هذا الرأي الأخير وهو الذي نراه فلك أن تطالب الجهة التي حبستك ظلما بالتعويض عن الحبس، أما التعويض عن الحرمان أو الآلام النفسية أو تفويت الفرصة ونحو ذلك فليس لك المطالبة به، وإنما لك الحق في رفع أمر من وقع منه ذلك إلى ولي الأمر ليؤدبه الأدب المناسب لاعتدائه عليك، وأما مسألة التشدد في الدين وبعدك عن ذلك، فنقول إن التشدد في الدين مذموم بل في كل شيء، ولكن التشدد له ضوابط وليس بمزاج المرء وهواه. وضابطه مجاوزة الحد الشرعي في العبادة أو غيرها، قال تعالى: لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ {النساء: 171}. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه. رواه البخاري. وليس من ذلك الالتزام بأوامر الله وأوامر رسوله واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله كإعفاء اللحية وعدم حلقها وتقصير الثوب وعدم إسباله، والمحافظة على الصلاة في الجماعة والطهور والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من أمور الدين، فالالتزام بها ليس تشددا بل يجب الالتزام بها ويعاقب المرء على تركها إن كانت أوامر، و على فعلها إن كانت نواهي.. وكذلك التساهل أيضا وهو ما يقابل التشدد وضابطه عدم بلوغ الحد المطلوب شرعا فهو مذموم فلا إفراط في الإسلام ولا تفريط ولا غلو ولا تقصير" وكلا طرفي قصد الأمور ذميم" قال تعالى: وكان بين ذلك قوما، وهو الوسطية والاتزان والاعتدال في الأمور كلها، ويتحقق ذلك في أمور الشرع بالتزام الأوامر واجتناب النواهي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني