الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يترتب على من ترك الصلاة جهلًا أيام مرضه حتى مات

السؤال

كان الوالد محافظًا على واجباته الدينية، وفي آخر أيامه ابتلي بمرض الفشل الكلوي -أعاذنا الله وإياكم- وفي الشهور الستة الأخيرة لم يصلِّ؛ لأنه ليس على طهارة كاملة؛ ظنًّا منه أن صلاته غير جائزة، وفي اليوم الذي توفي فيه فقد الوعي تمامًا، طول 24ساعة، ولم ينطق الشهادة، فما مصير الوالد في هذه الحالة؟ وشكرًا لكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله عز وجل أن يغفر لوالدكم، وأن يرحمه، وأن يتقبل منه محافظته على واجباته في صحته، وأن يجعل ما ابتلي به من المرض زيادةً في أجره، وتكفيرًا لوِزره.

وأبشروا، ففي الصحيحين عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يصيبه أذىَ: شوكةٍ فما فوقها، إلاّ حط الله سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها.

وفي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها، إلاّ كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة.

وروى أحمد في مسنده عن أبي هريرة ـرضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال البلاء بالمؤمن، أو المؤمنة في جسده، وفي ماله؛ حتى يلقى الله وما عليه خطيئة.

أما بخصوص ما تضمنه سؤالك، ففيه مسائل:

أولًا: مصير الوالد لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى، لكن من مات من المسلمين يرجى له أن يكون في الجنة؛ فقد دلّت نصوص الشرع على أن من مات لا يشرك بالله شيئًا، دخل الجنة، فنسأل الله لنا، وله، ولموتى المسلمين، أن يعمّنا برحمته التي وسعت كل شيء.

ثانيًا: بالنسبة لتركه الصلاة في فترة مرضه الأخيرة، فقد كان عليه أن يأتي منها بما يستطيع؛ فالصلاة لا تسقط عن المسلم ما دام عنده عقله؛ فقد روى البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة؟ فقال: صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب.

ونظرًا لكونه قد توفي، فنرجو أن يكون معذورًا عند الله سبحانه، فهو الغفور الرحيم القائل مرشدًا لعباده: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، قال الله تعالى: قد فعلت. رواه مسلم.

ولقول الله سبحانه: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:5].

أما اليوم الأخير الذي كان فيه فاقدًا للوعي، فهو غير مكلّف فيه، مرفوع عنه فيه القلم.

وننبه إلى أنه لا يلزمكم قضاء تلك الصلوات التي تركها في مرضه، لكن أكثروا من الدعاء له، والاستغفار، وتصدّقوا عليه بثواب الأعمال الصالحة من عمرة، وصدقة، وما إلى ذلك.

فهذا من البِرّ به، ومن الأعمال الصالحة التي يلحق ثوابها الميت في قبره. عسى أن يتجاوز الله عنه، ويرحمه؛ إنه جواد كريم.

ثالثًا: عدم سماعكم لنطقه بالشهادة، لا يعني بالضرورة أنه لم ينطقها، أو أنها ليست آخر كلامه؛ إذ يحتمل أنه نطق بها سرًّا عند موته، ولم تسمعوها منه، أو أنها كانت آخر كلامه قبل فقدانه الوعي.

ولو افترضنا عدم النطق بها حقيقة، فليس كل مسلم يحصل له النطق بها عند موته.

صحيح أن للنطق بها فضيلة عظيمة، لكن عدم النطق بها ليس دليلًا على سوء الخاتمة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني