الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا نصيب للكافر في الآخرة

السؤال

في إحدى خطب الجمعة زعم الإمام أن حساب الكافر الطيب ليس كحساب الكافر الشرير، الكافر الطيب يجزى عن حسناته بأن يخفف عنه الله من عذاب جهنم...
أرجو منكم مدي بالأحاديث والآيات التي تؤكد صحة كلام الإمام، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فكل من مات على الكفر بالله تعالى وقد كان قبل موته عمل بعض الأعمال الصالحات فلا تقبل منه في الآخرة، وبالتالي فلا يخفف عنه من العذاب بسببها، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ {آل عمران:91}

لكن إن كانت تلك الأعمال لا تحتاج صحتها إلى نية يجازى عليها في الدنيا إما بتوسعة رزقه أو نصره على عدوه مثلا، وليس له في الآخرة نصيب، ففي صحيح مسلم من حديث أنس: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها.

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: أجمع العلماء على أن الكافر الذي مات على كفره لا ثواب له في الآخرة ولا يجازى فيها بشيء من عمله في الدنيا متقربا إلى الله تعالى، وصرح في هذا الحديث بأن يطعم في الدنيا بما عمله من الحسنات أي بما فعله متقربا به إلى الله تعالى مما لا يفتقر صحته إلى النية كصلة الرحم والصدقة والعتق والضيافة وتسهيل الخيرات ونحوها، وأما المؤمن فيدخر له حسناته وثواب أعماله إلى الآخرة، ويجزى بها مع ذلك أيضا في الدنيا، ولا مانع من جزائه بها في الدنيا والآخرة، وقد ورد الشرع به فيجب اعتقاده، قوله: إن الله تعالى لا يظلم مؤمنا حسنة معناه لا يترك مجازاته بشيء من حسناته، والظلم يطلق بمعنى النقص، وحقيقة الظلم مستحيلة من الله تعالى كما سبق بيانه، ومعنى: أفضى إلى الآخرة صار إليها. انتهى.

وفي فيض القدير للمناوي: وأما الكافر إذا عمل حسنة في الدنيا كأن فك أسيرا وأنقذ غريقا فيطعم بحسناته في الدنيا أي يجازى فيها على ما فعله من القرب التي لا تحتاج لنية بنحو توسعة لرزقه ودفع مصيبة ونصر على عدو وغير ذلك، وقال في المؤمن يعطى، وفي الكافر يطعم؛ لأن العطاء أكثر استعماله فيما تحمد عاقبته حتى إذا أفضى إلى الآخرة أي صار إليها لم تكن له حسنة يعطى لها خيرا... إلى أن قال: وذكر في القرينة الثانية أن الكافر إذا فعل حسنة يستوفي أجرها بكمالها في الدنيا حتى لا يكون له نصيب في الآخرة، والمؤمن إنما يجزى الجزاء الأوفى في الآخرة، وتحرير المعنى أن الله لا يظلم أحدا على حسنة، أما المؤمن فيجزيه في الآخرة الجزاء الأوفى، ويفضل عليه في الدنيا، وأما الكافر فيجزيه في الدنيا وما له في الآخرة من نصيب. انتهى

وللمزيد راجع الفتوى رقم: 56735

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني