الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 18 ] ( بسم الله الرحمن الرحيم )

وبه العون

( الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، ) الذي خلق الإنسان من طين ، وجعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه ، وجعل لهم السمع ، والأبصار ، والأفئدة ، وبعث فيهم الرسل ، والأئمة مبشرين بالجنة من أطاع الله ، ومنذرين بالنار من عصى الله ، وخصنا بالنبي المصطفى ، والرسول المجتبى ، أبي القاسم ، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - صلى الله عليه وعلى آله - ، الذين هداهم الله ، واصطفاهم من بني هاشم ، والمطلب ، أرسله بالحق إلى من جعله من أهل التكليف من كافة الخلق بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وأنزل معه كتابا عزيزا ، ونورا مبينا ، وتبصرة وبيانا ، وحكمة وبرهانا ، ورحمة وشفا ، وموعظة وذكرا . فنقل به من أنعم عليه بتوفيقه من الكفر والضلالة إلى الرشد والهداية ، وبين فيه ما أحل وما حرم ، وما حمد وما ذم ، وما يكون عبادة وما يكون معصية نصا أو دلالة ، ووعد وأوعد ، وبشر وأنذر ، ووضع رسوله - صلى الله عليه وسلم - من دينه موضع الإبانة عنه ، وحين قبضه الله قيض في أمته جماعة اجتهدوا في معرفة كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، حتى رسخوا في العلم ، وصاروا أئمة يهدون بأمره ، ويبينون ما يشكل على غيرهم من أحكام القرآن وتفسيره .

وقد صنف غير واحد من المتقدمين والمتأخرين في تفسير القرآن ومعانيه ، [ ص: 19 ] وإعرابه ومبانيه ، وذكر كل واحد منهم في أحكامه ما بلغه علمه ، وربما يوافق قوله قولنا وربما يخالفه ، فرأيت من دلت الدلالة على صحة قوله - أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي ابن عم محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم وعلى آله - قد أتى على بيان ما يجب علينا معرفته من أحكام القرآن . وكان ذلك مفرقا في كتبه المصنفة في الأصول ، والأحكام ، فميزته وجمعته في هذه الأجزاء على ترتيب المختصر ، ليكون طلب ذلك منه على من أراد أيسر ، واقتصرت في حكاية كلامه على ما يتبين منه المراد دون الإطناب ، ونقلت من كلامه في أصول الفقه واستشهاده بالآيات التي احتاج إليها من الكتاب ، على غاية الاختصار - ما يليق بهذا الكتاب . وأنا أسأل الله البر الرحيم أن ينفعني ، والناظرين فيه بما أودعته ، وأن يجزينا جزاء من اقتدينا به فيما نقلته ، فقد بالغ في الشرح ، والبيان ، وأدى النصيحة في التقدير ، والتبيان ، ونبه على جهة الصواب ، والبرهان ؛ حتى أصبح من اقتدى به على ثقة من دين ربه ، ويقين من صحة مذهبه . والحمد لله الذي شرح صدرنا للرشاد ، ووفقنا لصحة هذا الاعتقاد ، وإليه الرغبة (عزت قدرته ) في أن يجري على أيدينا موجب هذا الاعتقاد ومقتضاه ، ويعيننا على ما فيه إذنه ورضاه ، وإليه التضرع في أن يتغمدنا برحمته ، وينجينا من عقوبته ، إنه الغفور الودود ، والفعال لما يريد ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية