الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 69 ] بسم الله الرحمن الرحيم

وبه أستعين

الحمد لله الذي شيد منار الدين وأعلامه ، وأوضح للخلق شرائعه وأحكامه ، وبعث صفوته وخصائص أوليائه المصطفين لتبليغ رسالته من أنبيائه يدعون إلى توحيده ، وترك ما خالفه من الملل ؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، وختم الدعوة بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - سيد المرسلين ، وفضله على من سبق وغبر من الأولين والآخرين ، وجعل شريعته مؤيدة إلى يوم الدين ، ووكل بحفظها من الصحابة والتابعين ، من تقوم به الحجة ، وترتفع بقوله الشبهة ، وهم الفقهاء الذين ألزمهم حراسة شريعته ، والتفقه في دينه ، فقال تبارك وتعالى ( كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) .

وقال سبحانه : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) .

فجعلهم فرقتين ، أوجب على إحداهما الجهاد في سبيله ، وعلى [ ص: 70 ] الأخرى التفقه في دينه ؛ لئلا ينقطع جميعهم إلى الجهاد ؛ فتندرس الشريعة ، ولا يتوفروا على طلب العلم ؛ فيغلب الكفار على الملة ، فحرس بيضة الإسلام بالمجاهدين ، وحفظ شريعة الإيمان بالمتعلمين ، وأمر بالرجوع إليهم في النوازل ، ومسألتهم عن الحوادث ، فقال عز وجل : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) .

وقال تعالى : ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) .

وقال سبحانه وتعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) .

وبين أن العلماء هم الذين يخشون ربهم فقال : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) .

وجعلهم خلفاء في أرضه ، وحجته على عباده ، واكتفى بهم عن بعثة نبي ، وإرسال نذير ، وقرن شهادتهم بشهادته ، وشهادة ملائكته ، فقال : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ) .

وقال : ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) .

ثم بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسنته فرض العلم على أمته ، وحث على تعلم القرآن وأحكامه ، والسنن وموجباتها ، والنظر في الفقه واستنباط [ ص: 71 ] الدلائل ، واستخراج الأحكام ، وأنا أذكر مما روي عنه عليه السلام في ذلك ما يحدو ذا الرأي الأرشد ، والطريق على التفقه في دين الله ، والنظر في أحكامه والاجتهاد في تعلم ذلك ، وحفظه ، ودراسته ، وأذكر من أصول الفقه ، وتثبيت الحجاج ، ومحمود الرأي ومذمومه ، وكيفية الاجتهاد ، وترتيب أدلته ، والآداب التي ينبغي أن يتخلق بها الفقيه والمتفقه ، واستعمالهما الهدى ، والوقار ، والخشوع ، والإخبات في تعلمهما وتعليمهما ، ومما يلزم الفقيه المجتهد والمتفقه المسترشد ، ويجب عليهما ، ويستحب لهما ، ويكره منهما ، ما يتبين نفعه لمن فهمه ، ووفق للعمل به إن شاء الله تعالى .

[ ص: 72 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية