الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 42 ] باب

ذكر نقط الحركات المشبعات ، ومواضعهن من الحروف

اعلم أن الحركات ثلاث : فتحة ، وكسرة ، وضمة . فموضع الفتحة من الحرف أعلاه ؛ لأن الفتح مستعل . وموضع الكسرة منه أسفله ؛ لأن الكسر مستفل . وموضع الضمة منه وسطه أو أمامه ؛ لأن الفتحة لما حصلت في أعلاه ، والكسرة في أسفله ؛ لأجل استعلاء الفتح وتسفل الكسر ؛ بقي وسطه ، فصار موضعا للضمة . فإذا نقط قوله : الحمد لله ؛ جعلت الفتحة نقطة بالحمراء فوق الحاء ، وجعلت الضمة نقطة بالحمراء في الدال ، أو أمامها إن شاء الناقط . وجعلت الكسرة نقطة بالحمراء تحت اللام والهاء . وكذلك يفعل بسائر الحروف المتحركة بالحركات الثلاث ، سواء كن إعرابا أو بناء ، أو كن عوارض .

وإنما جعلنا الحركات المشبعات نقطا مدورة على هيئة واحدة وصورة متفقة ، ولم نجعل الفتحة ألفا مضجعة ، والكسرة ياء مردودة ، والضمة واوا صغرى ، على ما ذهب إليه سلف أهل العربية ، إذ كن مأخوذات من هذه الحروف الثلاثة دلالة على ذلك ؛ اقتداء منا بفعل من ابتدأ النقط من علماء السلف ، بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم - ، واتباعا له ، واستمساكا بسنته . إذ مخالفته - مع سابقته وتقدمه - لا تسوغ ، وترك اقتفاء أثره في ذلك ، [ ص: 43 ] مع محله من الدين وموضعه من العلم ، لا يسع أحدا أتى بعده .

حدثنا محمد بن علي ، قال : نا أبو بكر بن الأنباري ، قال : نا أبي ، قال : نا أبو عكرمة قال : قال العتبي : قال أبو الأسود للذي أمسك المصحف : إذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف ، وإذا ضممتهما فاجعل النقطة إلى جانب الحرف ، وإذا كسرتهما فاجعل النقطة في أسفله .

قال أبو عمرو : فاتباع هذا أولى ، والعمل به في نقط المصاحف أحق ؛ لأن الذي رآه أبو الأسود ومن بحضرته من الفصحاء والعلماء حين اتفقوا على نقطها - أوجه لا شك من الذي رآه من جاء بعدهم ؛ لتقدمهم ، ونفاذ بصيرتهم ، فوجب المصير إلى قولهم ، ولزم العمل بفعلهم دون ما خالفه وخرج عنه .

على أن اصطلاحهم على جعل الحركات نقطا كنقط الإعجام ، قد يتحقق من حيث كان معنى الإعراب التفريق بالحركات . والإعجام من قولهم : أعجمت الشيء ؛ إذا بينته . وكان الإعجام أيضا يفرق بين الحروف المشتبهة في الرسم ، وكان النقط يفرق بين الحركات المختلفة في اللفظ . فلما اشتركا في المعنى ؛ أشرك بينهما في الصورة . وجعل الإعجام بالسواد ، والإعراب بغيره ؛ فرقا بين إعجام الحروف وبين تحريكها . واقتصر في الإعجام أولا على النقط ، من حيث أريد الإيجاز والتقليل ؛ لأن النقط أقل ما يبين به ، وهذا لطيف جدا . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية