الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والرب تبارك وتعالى منزه عن كل نقص، قال تعالى: ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ، وقال تعالى: وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم قالوا: لا يكرثه ولا يثقل عليه.

وإذا كان القيوم الذي لا يزول فقد دخل في ذلك أنه لا يأفل، كما قال الخليل - صلى الله عليه وسلم -: لا أحب الآفلين ، فإنه من المعلوم أن أفول الشمس والقمر والكواكب أبلغ في النقص من زواله إذا كان الآفل غاب واحتجب، ولم يبق له في عابده فعل ولا نفع، ولا يمكن عابده أن يوجه وجهه إليه، بخلاف زوال الشمس، فإنه فيه نقص لها وانخفاض وانحطاط عن حال كمال ارتفاعها. والزوال بدء حصول الأفياء المزيلة لشعاعها، فإن الظل يكون ممدودا قبل طلوعها، كما [ ص: 57 ] قال تعالى: ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا . فإذا طلعت انبسط شعاعها على وجه الأرض، ونسخ الظل الذي يقع عليه، فنسخ الظلال الشرقية كلها، ولا يزال ينسخ الغربية شيئا بعد شيء حتى تستوي الشمس، فيكون قد نسخ الظلال الشرقية والغربية جميعا، وهذا غاية نسخ الشمس الظلال. فإذا زالت انحطت وانخفضت، ففاءت الأفياء. والفيء اسم للظل الذي بعد الزوال، والظل يعم ما قبله وما بعده، لأنه يفيء الفيء ويعود، فيعود الفيء إلى ناحية المشرق، بعد أن كان قد نسخ عنها، ولا يزال الفيء يمتد ويطول كلما انخفضت الشمس إلى أن تغرب، فيعود الظل ممدودا بأفولها، كما يكون ممدودا قبل طلوعها، فكان أفولها غاية بطلان أثرها في ذلك الزوال، مبدأ ذلك بالأفول، كما نقصها الذي ابتدأ من الزوال، وكأنه كمال زوالها. ولهذا فسر دلوكها بهذا وبهذا في قوله عز وجل: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ، فطائفة من السلف قالوا: دلوكها غروبها، والتحقيق أن الزوال أول دلوكها، والغروب كمال دلوكها، فمن حين الزوال إلى الغروب دالكة، كما هي زائلة بارحة، ولهذا سميت "براح"، ويقال: دلكت براح. ولهذا قال تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ، فالدلوك يتناول الظهر والعصر، وغسق الليل يتناول المغرب والعشاء، وصلاة العشي فيها مشترك عند الحاجة. وكذلك صلاة العشاء، فإن ذلك كله دلوك، وهذا كله [ ص: 58 ] غسق، ولا يجوز تفويت صلاة غسق الليل إلى الفجر لدلوك الغسق الليل، كما لا يجوز تفويت صلاة الفجر إلى غسق الليل . قال - صلى الله عليه وسلم -

في الحديث الصحيح: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" .

وقال أيضا - صلى الله عليه وسلم -: "من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله" . وهي الصلاة الوسطى، كما دل على ذلك الأحاديث الصحيحة ، وهي

بين صلاتي ليل وصلاتي نهار.

التالي السابق


الخدمات العلمية