الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. وإذا أسلم المريض عشرة دراهم إلى رجلين في كر حنطة يساوي عشرة إلى أجل وقضى الدراهم ، ثم مات أحدهما ، ثم مات رب السلم قبل حل الأجل ، فإنه يخير ورثة الميت على أن يؤدوا نصفه ; لأن طعام السلم حل بموته في نصيبه فلم يتغير موجب العقد على ورثته ، والحي بالخيار إن شاء نقض السلم في حقه لتغير موجب العقد عليه ، وإن شاء أدى ثلث ما عليه ; لأنه موصى له بالأجل في نصيبه ، فإنما تنفذ الوصية له في ثلث مال الميت ، وذلك ثلثا ما عليه فقد سلم للورثة ثلثي كر قيمته ستة وثلثان وبقي الكر عليه مؤجلا وقيمته ثلاثة وثلث لو كان رأس المال عشرين درهما ، قد مات أحدهما قبله أو بعده قبل أن يختصموا ، فالحي وورثة الميت منهما بالخيار ; لأنه حاباهما بقدر نصف ماله ولا يسلم المحاباة لهما إلا بقدر الثلث فقد تغير على كل واحد منهما شرط العقد ; فلهذا ثبت لهم الخيار ، فإن اختاروا إمضاء العقد أدوا الكر وردوا ثلاثة دراهم وثلثا من رأس المال ; لأنه إنما يسلم لهم من المحاباة مقدار ثلث المال ، وذلك ستة وثلثان فيؤدي الكر حالا وقيمته عشرة وثلاثة دراهم وثلث من رأس المال حتى يسلم للورثة ثلاثة عشر وثلث ، قد نفذنا الوصية في ستة وثلاثين ، فيكون السالم لهما قيمة الكر من رأس المال وثلث مال الميت بالوصية ، فإن كان الميت منهما مات معسرا ، فالآخر بالخيار إن شاء رد حصته من الدراهم ونقض السلم ، وإن شاء رد نصف الكر وثلاثة دراهم من رأس المال ; لأن الميت منهما مات مستوفيا لوصيته ويؤدي ما عليه ، قد كان الثلث بينهما نصفين فيكون حق كل واحد منهما في سهم وحق الورثة في أربعة ، فنصيب الحي يجعل على خمسة يسلم له من الخمس بطريق الوصية ويؤدي أربعة أخماسه ، وذلك نصف كر قيمته خمسة دراهم وثلاثة دراهم من رأس المال فيسلم للورثة ثمانية ، قد نفذنا الوصية للحي في درهمين وللميت في مثله فاستقام .

ولو كان رأس المال ثلاثين درهما ولم يمت واحد منهما ولكن غاب أحدهما ، وقالت ورثة رب السلم : لا نجيز هذا السلم [ ص: 80 ] فالمسلم إليه بالخيار : إن شاء نقض السلم في حصته ورد حصته من الدراهم ، وإن شاء أدى نصف الكر ورد من رأس المال سبعة على ما بينا أن الثلث بينهما نصفان ، فإنما يضرب الحاضر في نصيبه بسهم وورثة رب السلم بأربعة ، فيسلم له الخمس مما عليه ، وذلك ثلاثة دراهم بالوصية فيرد إلى الورثة نصف كر قيمته خمسة وسبعة دراهم من رأس المال فيكون ذلك اثني عشر ، قد نفذنا الوصية للحاضر في ثلاثة وللغائب في مثله فاستقام .

فإن حضر الغائب بعد ما قضى القاضي بينهم بهذا ، فإنه يكون بالخيار : إن شاء رد الدراهم على الورثة في نقض السلم لتغير شرط العقد عليه ، وإن شاء أدى نصف الكر ورد ثلاثة من رأس المال ; لأنه قد سلم للورثة اثنا عشر ، فإنما يبقى إلى تمام حقهم ثمانية ، فإذا أعطاهم نصف الكر قيمته خمسة رد عليهم من رأس المال ثلاثة ، فقد سلم لهم عشرون درهما ، قد نفذنا الوصية لأحدهما في ثلاثة وللآخر في سبعة فاستقام التخريج ولا يرد على الأول بشيء ; لأن حكم السلم قد انتقض فيما رد ، ومن رأس المال بانتقاض قبضه من الأصل فلا يعود بعد ذلك حكم العقد في شيء منه

التالي السابق


الخدمات العلمية