الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا أسلم الرجل عشرة دراهم إلى مريض في كر قيمته مائة ، وقبض الدراهم فاستهلكها ، ثم مات ، وقد أوصى الرجل بثلث ماله ولا مال له غير الكر ، فإن شاء صاحب السلم نقض السلم وأخذ دراهمه ; لأنه لم يسلم له شرط عقده ، وإذا نقض العقد بطلت وصيته بالمحاباة ، فيجوز للآخر وصيته في ثلث مال الميت ، وإن شاء أخذ خمسي الكر وأعطى الورثة منه ثلاثة أخماسه بطريق الحط ، فيسلم له خمسي كر قيمته أربعون درهما بعشرة دراهم ، فالوصية له من ذلك ثلاثون ويسلم للورثة ثلاثة أخماس الكر وقيمته ستون درهما ، فيستقيم الثلث والثلثان .

والحاكم رحمه الله يقول : إن شاء أخذ الكر وأعطى الورثة ستين درهما وهذا غلط ; لما بينا ، ولا شيء لصاحب الوصية في قول أبي حنيفة ; لأن المحاباة على أصله مقدمة على سائر الوصايا ، والمحاباة هنا بقدر سبعين فهو أكثر من ثلث ماله ، فإنما يسلم الثلث لصاحب المحاباة ، ولا شيء للآخر ، وفي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يتحاصان في الثلث فيضرب صاحب المحاباة بجميع المال ، وصاحب الثلث بالثلث ، فيصير الثلث بينهم على أربعة والثلثان ثمانية ، فإذا اختار رب السلم إمضاء العقد كان له من الكر قدر اثنين وثلاثين ونصف ورد على الورثة قدر سبعة وستين ونصف من الكر بطريق الحط ، فيكون لصاحب الوصية من ذلك سبعة ونصف ، وهو ربع ثلث ما ترك الميت ; لأن التركة بقدر سبعين ، فمقدار العشرة من الكر مستحق بعوضه ، وهو رأس المال ; ولهذا قلنا : إن صاحب المحاباة يضرب بجميع المال ; لأن جميع ذلك محاباة له ويسلم للورثة ما يساوي ستين وذلك ثلثا التركة ، ولرب السلم من الكر ما يساوي اثنين وثلاثين ونصف : عشرة منها بإزاء دراهمه واثنان وعشرون ونصف محاباة ، وهي ثلاثة أرباع ثلث التركة ، فإن كان له عبد فأعتقه في مرضه ، فعلى قول أبي يوسف ومحمد العتق أولى ويرجع صاحب السلم برأس ماله ، ولا شيء له غير ذلك ، وعند أبي حنيفة رحمه الله : إن بدأ بالمحاباة فهي مقدمة على العتق ، وإن بدأ بالعتق فهو والمحاباة سواء ، قد تقدم بيان هذه المسألة [ ص: 85 ] في العين والدين .

التالي السابق


الخدمات العلمية