الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في مسائل منثورة

                                                                                                                                                                        إحداها : ليس لعامل القراض التصرف في الخمر بيعا ولا شراء وإن كان ذميا ، فإن خالف واشترى خمرا ، أو خنزيرا ، أو أم ولد ، ودفع المال في ثمنه ، ضمن ، عالما كان أو جاهلا ، لأن الضمان لا يختلف بهما . هذا هو الصحيح ، وبه قطع الجمهور . وقيل : لا ضمان في العلم والجهل ، وهو شاذ ضعيف . وقيل : يضمن في العلم دون الجهل . وقيل : يضمن في الخمر مطلقا ، ولا يضمن في أم الولد مع الجهل .

                                                                                                                                                                        قلت : قلت الوجه المذكور في شراء الخمر عالما ، أنه لا يضمنه ، هو في الذمي دون المسلم ، لأنه يعتقده مالا ، قاله في " البيان " . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الثانية : قارضه على أن ينقل المال إلى موضع كذا ، ويشتري من أمتعته ثم [ ص: 148 ] يبيعها هناك ، أو يردها إلى موضع القراض ، قال الإمام : قال الأكثرون بفساد القراض ، لأن نقل المتاع من بلد إلى بلد ، عمل زائد على التجارة ، فأشبه شرط الطحن والخبز ، ويخالف ما إذا أذن له في السفر ، فإن الغرض منه نفي الحرج . وقال الأستاذ أبو إسحاق وطائفة من المحققين : لا يضر شرط المسافرة ، فإنها الركن الأعظم في الأموال النفيسة .

                                                                                                                                                                        الثالثة : قال : خذ هذه الدراهم قراضا ، وصارف بها مع الصيارفة ، ففي صحة مصارفته مع غيرهم وجهان . وجه الصحة : أن مقصوده التصرف مصارفة .

                                                                                                                                                                        الرابعة : خلط العامل مال القراض بماله ، صار ضامنا ، وكذا لو قارضه رجلان ، فخلط مال أحدهما بالآخر ، وكذا لو قارضه واحد على مالين بعقدين ، فخلطهما ، ضمن . فلو دفع إليه ألفا قراضا ، ثم ألفا ، وقال : ضمه إلى الأول ، فإن لم يكن تصرف بعد في الأول ، جاز ، وكأنه دفعهما إليه معا ، وإن كان تصرف في الأول ، لم يجز القراض في الثاني ، ولا الخلط ، لأن الأول استقر حكمه بالتصرف ربحا وخسرانا ، وربح كل مال وخسرانه يختص به ، ولو دفع إليه ألفا قراضا ، وقال : ضم إليه ألفا من عندك على أن يكون ثلث ربحهما لك وثلثاه لي ، أو بالعكس ، فسد القراض ، لما فيه من شرط التفاوت في الربح مع التساوي في المال ، ولا نظر إلى العمل بعد الشركة في المال .

                                                                                                                                                                        ولو دفع إليه زيد ألفا قراضا ، وعمرو كذلك ، فاشترى لكل واحد عبدا بألف ، ثم اشتبها عليه ، فقولان . أحدهما : ينقلب شراء العبدين له ، ويغرم لهما ، لتفريطه . ثم المغرم عند الأكثرين الألفان . وقيل : يغرم قيمة العبدين وإن زادت . والقول الثاني : يباع العبدان ويقسم الثمن بينهما . فإن حصل ربح ، فهو بينهم على حسب الشرط . وإن حصل خسران ، قال الأصحاب : يلزمه ضمانه ، لتقصيره . واستدرك المتأخرون فقالوا : إن كان لانخفاض السوق ، لا يضمن ، لأن غايته أن يجعل كالغاصب ، والغاصب لا يضمن انخفاض السوق . [ ص: 149 ] قال الإمام : والقياس مذهب ثالث غير القولين ، وهو أن يبقى العبدان لهما على الإشكال إن لم يصطلحا .

                                                                                                                                                                        قلت : قال الجرجاني في " المعاياة " : [ و ] لا يتصور خسران على العامل في غير هذه المسألة .

                                                                                                                                                                        وبقي من الباب مسائل .

                                                                                                                                                                        منها : لو دفع إليه مالا وقال : إذا مت فتصرف فيه بالبيع والشراء ، ولك نصف الربح ، فمات ، لم يكن له التصرف ، بخلاف ما لو أوصى له بمنفعة عين ، لأنه تعليق ، ولأن القراض يبطل بالموت لو صح . ولو قارضه على نقد ، فتصرف العامل ثم أبطل السلطان النقد ، ثم انفسخ القراض ، قال صاحب " العدة " و " البيان " : رد مثل النقد المعقود عليه على الصحيح . وقيل : من الحادث ولو مات العامل ولم يعرف مال القراض من غيره ، فهو كمن مات وعنده وديعة ولم يعرف عينها ، وسيأتي بيانه في كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        ولو جنى عبد القراض ، قال في " العدة " : للعامل أن يفديه من مال القراض على أحد الوجهين كالنفقة عليه . والله أعلم . [ ص: 150 ]

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية