الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                32 ص: وما قد حدثنا حسين بن نصر، . ثنا الفريابي، . ثنا سفيان ، أخبرني جابر ، عن أبي الطفيل قال: "وقع غلام في زمزم فنزفت".

                                                التالي السابق


                                                ش: الفريابي هو محمد بن يوسف ، روى له الجماعة.

                                                وسفيان هو الثوري .

                                                وجابر هو ابن يزيد بن الحارث الجعفي ، فيه مقال.

                                                وأبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي الصحابي رضي الله عنه.

                                                ورواه الدارقطني أيضا وفي روايته: "فنزحت" موضع: "فنزفت".

                                                ورواه البيهقي أيضا في "سننه" و"المعرفة": ثم تكلم في جابر الجعفي .

                                                قلت: قال ابن عدي : للجعفي حديث صالح، وقد روى الثوري عنه وقد احتمله الناس ورووا عنه. وعن شعبة : هو صدوق في الحديث.

                                                ولئن سلمنا ما قاله البيهقي فإن نزح زمزم قد روي من طريق آخر صحيح وهو الرواية السابقة التي أخرجها الطحاوي وابن أبي شيبة .

                                                [ ص: 131 ] وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه": عن معمر قال: "سقط رجل في زمزم فمات فيها فأمر ابن عباس أن تسد عيونها وتنزح فقيل له: إن فيها عينا قد غلبتنا. قال: إنها من الجنة. فأعطاهم مطرفا من خز فحشوه فيها ثم نزح ماؤها حتى لم يبق فيها نتن" .

                                                فإن قلت: حكى البيهقي : عن الشافعي أنه قال: لا نعرفه عن ابن عباس ، وزمزم عندنا، ما سمعنا بهذا. وعن ابن عيينة قال: أنا بمكة منذ سبعين سنة لم أر صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي. وعن أبي عبيد كذلك; لأنه قد جاءت الآثار في نعتها أنها لا تنزح ولا تذم.

                                                قلت: قد عرف هذا الأمر وأثبته أبو الطفيل ، وابن سيرين وقتادة ولو أرسلاه، وعمرو بن دينار وعطاء ومعمر ، والمثبت مقدم على النافي خصوصا مثل هؤلاء الأعلام، ولا يلزم من عدم سماع من لم يدرك ذلك الوقت وعدم من يعرفه عدم هذا الأمر في نفسه، وليس في حديث ابن الزبير وابن عباس - رضي الله عنهما - أنهما قدرا على استئصال الماء بالنزح حتى يكون مخالفا للآثار التي جاءت بأنها لا تنزح ولا تذم بل صرح في رواية ابن أبي شيبة : بأن الماء لم ينقطع، وفي رواية البيهقي : بأن العين غلبتهم حتى دست بالقباطي والمطارف. وجعل السهيلي حديث الحبشي مؤيدا لما روي في صفتها أنها لا تنزف.

                                                فإن قلت: قد حكى البيهقي أيضا عن الشافعي أنه قال لمخالفيه: قد رويتم عن سماك ، عن عكرمة عن ابن عباس ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الماء لا ينجسه شيء" أفترى أن ابن عباس يروي عن النبي - عليه السلام - خبرا ثم يتركه؟!

                                                قلت: لم يتركه بل خصصه كما خصصت أنت أيها الشافعي فقلت بنجاسة ما دون القلتين بالنجس ولو لم يتغير، وبنجاسة ما بلغ قلتين فصاعدا بالتغير.

                                                [ ص: 132 ] فإن قلت: حكي أيضا عن الشافعي أنه أول نزح زمزم -إن صح- بأنه كان للتنظيف لا للنجاسة.

                                                قلت: هذا ممنوع; لأن ابن عباس وابن الزبير أمرا بالنزح، ومطلق الأمر للوجوب، وليس ذلك إلا للتنجيس، ويبعد هذا التأويل أيضا أنهم بالغوا في النزح وسد العين، ولو كان للتنظيف لم يبالغوا هذه المبالغة العظيمة.

                                                فإن قلت: حكي أيضا عنه أنه قال: وقد يكون الدم ظهر على وجه الماء حتى رئي فيه.

                                                قلت: الغالب أن من يقع في الماء يموت خنقا ولا يخرج منه دم، ولو خرج كان قليلا لا يصل إلى أن يظهر على وجه الماء الكثير ويرى فيه.

                                                قوله: "لا تذم" أي لا يوجد ماؤها قليلا، من قولهم: "بئر ذمة" إذا كانت قليلة الماء.

                                                قوله: "نزفت" من نزفت ماء البئر نزفا إذا نزحته كله، ونزفت هي، يتعدى ولا يتعدى، ونزفت أيضا على ما لم يسم فاعله.




                                                الخدمات العلمية