الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر خلع عبد الجبار بخراسان ومسير المهدي إليه

في هذه السنة خلع عبد الجبار بن عبد الرحمن عامل خراسان للمنصور .

وسبب ذلك أن عبد الجبار لما استعمله المنصور على خراسان عمد إلى القواد فقتل بعضهم وحبس بعضهم ، فبلغ ذلك المنصور وأتاه من بعضهم كتاب : قد نغل الأديم . فقال لأبي أيوب : إن عبد الجبار قد أفنى شيعتنا ، وما فعل ذلك إلا وهو يريد أن يخلع . فقال له : اكتب إليه أنك تريد غزو الروم فليوجه إليك الجنود من خراسان وعليهم فرسانهم ووجوههم ، فإذا خرجوا منها فابعث إليه من شئت فلا تمنع .

فكتب المنصور إليه بذلك ، وأجابه : إن الترك قد جاشت ، وإن فرقت الجنود ذهبت خراسان . فألقى الكتاب إلى أبي أيوب وقال له : ما ترى ؟ قال : قد أمكنك من قياده اكتب إليه : إن خراسان أهم إلي من غيرها وأنا موجه إليك الجنود ، ثم وجه إليه الجنود ليكونوا بخراسان ، فإن هم بخلع أخذوا بعنقه .

فلما ورد الكتاب بهذا على عبد الجبار أجابه : إن خراسان لم تكن قط أسوأ حالا منها [ في هذا ] العام ، وإن دخلها الجنود هلكوا لضيق ما هم فيه من الغلاء . فلما أتاه الكتاب ألقاه إلى أبي أيوب ، فقال له أبو أيوب : قد أبدى صفحته ، وقد خلع فلا تناظره .

ووجه المنصور ابنه المهدي ، وأمره بنزول الري ، فسار إليها المهدي ، ووجه خازم بن خزيمة بين يديه لحرب عبد الجبار ، وسار المهدي فنزل نيسابور ، فلما بلغ ذلك أهل مرو الروذ ساروا إلى عبد الجبار ، وحاربوه وقاتلوه قتالا شديدا ، فانهزم منهم ولجأ إلى مقطنة فتوارى فيها ، فعبر إليه المجشر بن مزاحم ، من أهل مرو الروذ ، فأخذه أسيرا ، فلما قدم خازم أتاه به ، فألبسه جبة صوف ، وحمله على بعير ، وجعل وجهه مما [ ص: 89 ] يلي عجز البعير وحمله إلى المنصور ، ومعه ولده وأصحابه ، فبسط عليهم العذاب حتى استخرج منهم الأموال ، ثم أمر فقطعت يدا عبد الجبار ورجلاه ، وضرب عنقه ، وأمر بتسيير ولده إلى دهلك ، وهي جزيرة باليمن ، فلم يزالوا بها حتى أغار عليهم الهند فسبوهم فيمن سبوا ، ثم فودوا بعد ذلك .

وكان ممن نجا منهم عبد الرحمن بن عبد الجبار ، صحب الخلفاء ، ومات أيام الرشيد سنة سبعين ومائة .

قيل : وكان أمر عبد الجبار سنة اثنتين وأربعين في ربيع الأول ، وقيل : سنة أربعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية