الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5220 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنهم قالت سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن فأرة سقطت في سمن فقال ألقوها وما حولها وكلوه

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( عن حديث عبيد الله بن عبد الله ) يعني بسنده لكن يظهر لنا هـل فيه ميمونة أو لا ؟ وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق نعيم بن حماد عن ابن المبارك فقال فيه " عن عبيد الله بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه [ ص: 587 ] وسلم " فذكره مرسلا وأغرب أبو نعيم في " المستخرج " فساقه من طريق الفربري عن البخاري عن عبدان موصولا بذكر ابن عباس وميمونة بالمرفوع دون الموقوف وقال : " أخرجه البخاري عن عبدان " وذكر فيه كلاما ، واستدل بهذا الحديث لإحدى الروايتين عن أحمد أن المائع إذا حلت فيه النجاسة لا ينجس إلا بالتغير ، وهو اختيار البخاري وقول ابن نافع من المالكية وحكي عن مالك ، وقد أخرج أحمد عن إسماعيل بن علية عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة " أن ابن عباس سئل عن فأرة ماتت في سمن قال : تؤخذ الفأرة وما حولها ، فقلت إن أثرها كان في السمن كله ، قال إنما كان وهي حية وإنما ماتت حيث وجدت " ورجاله رجال الصحيح .

                                                                                                                                                                                                        وأخرجه أحمد من وجه آخر وقال فيه عن جر فيه زيت وقع فيه جرذ وفيه " أليس جال في الجر كله ؟ قال : إنما جال وفيه الروح ، ثم استقر حيث مات " وفرق الجمهور بين المائع والجامد عملا بالتفصيل المقدم ذكره ، وقد تمسك ابن العربي بقوله " وما حولها " على أنه كان جامدا ، قال : لأنه لو كان مائعا لم يكن له حول ، لأنه لو نقل من أي جانب مهما نقل لخلفه غيره في الحال فيصير مما حولها فيحتاج إلى إلقائه كله ، كذا قال ، وأما ذكر السمن والفأرة فلا عمل بمفهومهما ، وجمد ابن حزم على عادته فخص التفرقة بالفأرة ، فلو وقع غير جنس الفأر من الدواب في مائع لم ينجس إلا بالتغير ، وضابط المائع عند الجمهور أن يتراد بسرعة إذا أخذ منه شيء .

                                                                                                                                                                                                        واستدل بقوله " فماتت " على أن تأثيرها في المائع إنما يكون بموتها فيه فلو وقعت فيه وخرجت بلا موت لم يضره ، ولم يقع في رواية مالك التقييد بالموت ، فيلزم من لا يقول بحمل المطلق على المقيد أن يقول بالتأثير ولو خرجت وهي في الحياة ، وقد التزمه ابن حزم فخالف الجمهور أيضا .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ألقوها وما حولها ) لم يرد في طريق صحيحة تحديد ما يلقى ، لكن أخرج ابن أبي شيبة من مرسل عطاء بن يسار أنه يكون قدر الكف وسنده جيد لولا إرساله ، وقد وقع عند الدارقطني من رواية يحيى القطان عن مالك في هذا الحديث " فأمر أن يقور ما حولها فيرمى به " وهذا أظهر في كونه جامدا من قوله " وما حولها " فيقوى ما تمسك به ابن العربي ، وأما ما أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء مرفوعا من التقييد في المأخوذ منه ثلاث غرفات بالكفين فسنده ضعيف ، ولو ثبت لكان ظاهرا في المائع .

                                                                                                                                                                                                        واستدل بقوله في الرواية المفصلة " وإن كان مائعا فلا تقربوه " على أنه لا يجوز الانتفاع به في شيء ، فيحتاج من أجاز الانتفاع به في غير الأكل كالشافعية وأجاز بيعه كالحنفية إلى الجواب - أعني الحديث - فإنهم احتجوا به في التفرقة بين الجامد والمائع ، وقد احتج بعضهم بما وقع في رواية عبد الجبار بن عمر عند البيهقي في حديث ابن عمر " إن كان السمن مائعا انتفعوا به ولا تأكلوه " وعنده في رواية ابن جريج مثله ، وقد تقدم أن الصحيح وقفه . وعنده من طريق الثوري عن أيوب عن نافع عن ابن عمر في فأرة وقعت في زيت قال " استصبحوا به وادهنوا به أدمكم " وهذا السند على شرط الشيخين إلا أنه موقوف ، واستدل به على أن الفأرة طاهرة العين ، وأغرب ابن العربي فحكى عن الشافعي وأبي حنيفة أنها نجسة .

                                                                                                                                                                                                        قوله في رواية مالك ( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ) هو كذلك في أكثر الروايات بإبهام السائل ، ووقع في رواية الأوزاعي عن أحمد تعيين من سأل ، ولفظه عن ميمونة " إنها استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فأرة " الحديث ، ومثله في رواية يحيى القطان عن مالك عند الدارقطني بلفظ " عن ابن عباس أن ميمونة استفتت " والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية