الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( كتاب الصيد )

                                                                                                                              مصدر بمعنى اسم المفعول ، وأفرده نظرا للفظه ، ويصح بقاؤه على مصدريته ؛ لأن أكثر الأحكام الآتية تتعلق بالفعل ، وعطف الذبائح عليه لا ينافي ذلك ( الذبائح ) جمع ذبيحة ، وجمعها ؛ لأنها تكون بسكين ، وسهم ، وجارحة ، وأصلهما الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، وأركانهما فاعل ، ومفعول به ، وفعل ، وآلة ، وستأتي كلها ، وذكر هذا الكتاب ، وما بعده هنا هو ما عليه أكثر الأصحاب ؛ لأن في أكثرها نوعا من الجناية ، وخالف في الروضة فذكرها آخر ربع العبادات ؛ لأن فيها شوبا تاما منها ( ذكاة الحيوان ) البري ( المأكول ) المبيحة لحل أكله إنما تحصل ( بذبحه في حلق ) ، وهو أعلى العنق [ ص: 313 ] ( أو لبة ) بفتح أوله ، وهي أسفله ( إن قدر عليه ) ، وسيذكر أنها إنما تحصل بقطع كل الحلقوم ، والمريء

                                                                                                                              فالذبح هنا بمعنى القطع الآتي ، وهي بالمعجمة لغة التطييب ، ومنه رائحة ذكية ، والتتميم ، ومنه فلان ذكي أي : تام الفهم سمي بها شرعا الذبح المبيح ؛ لأنه يطيب أكل الحيوان بإباحته إياه ، وبهذا يعلم رد ما قيل تعريفه لها بذلك غير مستقيم ؛ لأنها لغة الذبح فقد عرف الشيء بنفسه أي : المساوي له مفهوما ، وماصدقا ، ووجه رده منع قوله : أنها لغة الذبح على أنه لو سلم إطلاقها عليه لغة كان المراد بها مطلقه ، وهو غير الذبح شرعا ؛ لأنه يعتبر فيه قيد المبيح فلم يعرف الشيء بنفسه على أنه ليس هنا تعريف أصلا ، وإنما صواب العبارة أن فيه تحصيل الشيء بنفسه

                                                                                                                              وجوابه ما علم أن مطلق الذكاة غير خصوص الذبح المبيح ، ولا شك أن المطلق يحصل بيانه بذكر المقيد ، ولا يرد عليه حل الجنين بذبح أمه ، وإن أخرج رأسه ، وبه حياة مستقرة ، أو ، وهو ميت ؛ لأن انفصال بعض الولد لا أثر له غالبا ، وذلك ؛ لأن الشارع جعل ذبحها ذكاة له ، واعترضت تسميته ما في اللبة ذبحا بأنه سيعبر عنه بالنحر [ ص: 314 ] ويرد بأنه لا مانع من تسميته ذبحا ، ونحرا ، وبفرض منعه لا مانع من تسميته به تغليبا ( وإلا ) يقدر عليه ( فبعقر مزهق حيث كان ) أي : بأي موضع منه وجد تحصل ذكاته لما يأتي

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( كتاب الصيد ، والذبائح )

                                                                                                                              ( قوله : ؛ لأن فيها شوبا تاما منها ) أقول ، ولمناسبتها مناسبة قوية ما ختم به باب الحج من صيد المحرم ، وذبحه الهدايا ، والحيوانات ، ونحو ذلك ( قوله : ذكاة الحيوان إلخ . ) هذه العبارة تفيد الحصر لعموم المبتدأ أي : كل ذكاة للحيوان إلخ . وخصوص الخبر ( فرع ) صال عليه حيوان مأكول فرماه فأصاب مذبحه بحيث انقطع كل حلقومه ، ومريئه حل ، وإن أصاب غير المذبح فإن كان بمعنى الناد بحيث صار غير مقدور عليه حل بإصابته في أي محل كان ، وإلا فلا ، ولو قدر على إصابته في المذبح لكن بحيث ينقطع بعض الحلقوم ، والمريء فقط فهل يتعين في الحل إصابة المذبح ، أو لا ؛ لأن قطع البعض من الحلقوم ، والمريء ليس ذبحا شرعيا فلا فرق بين إصابته ، وإصابة غيره فيه نظر . ، ويتجه [ ص: 313 ] الثاني وفاقا ل م ر ( قوله : ؛ لأنها لغة الذبح ) هذا كبعض كلمات الشارح الآتية يدل على أنها في كلام المصنف بالمعنى اللغوي ، وهو ممنوع ، بل هي فيه بالمعنى الشرعي ، والذبح في كلامه بالمعنى اللغوي ، وهو مطلق القطع فلا إشكال أصلا

                                                                                                                              ( قوله : كان المراد بها مطلقه ، وهو غير الذبح شرعا إلخ . ) هذا يقتضي أنه عرف المعنى اللغوي بالمعنى الشرعي ، ويرد عليه أنه قطعا المقصود الشرعي إلا أنه قد يجاب عنه بأنه من قبيل التعريف بالأخص ، وهو جائز على قول لكن قد ينافيه ما دل عليه قوله : الآتي ، ولا يرد عليه إلخ . لدلالته على ملاحظة القول باعتبار كون التعريف جامعا مانعا ، وإلا فلا حاجة إلى دفع ورود هذا فتأمله ، ولو عكس فأجاب بأن المراد بها المعنى الشرعي ، وبالذبح المعنى اللغوي فليس فيه تعريف الشيء بنفسه كان صوابا ؛ لأنه حينئذ لا يرد عليه أن المقصود بيان معناها الشرعي ؛ لأنه لم يخالف ذلك ؛ ولأن المعنيين مختلفان فلا يفسر أحدهما بالآخر ؛ لأنه لم يقتصر في تعريفها على مجرد معنى الذبح لغة ، بل أضاف إليه قيودا صريحا ، وإشارة يحصل من مجموعهما معناها الشرعي فتأمل .

                                                                                                                              ( قوله : ؛ لأنه يعتبر فيه قيد المبيح ) قد يقال : الإباحة حكم مرتب عليه فلا تعتبر فيه ( قوله : على أنه ليس هنا تعريف إلخ . ) ، بل هنا تعريف ضمني ( قوله : ولا شك أن المطلق يحصل بيانه إلخ . ) تأمل . ( قوله : أو وهو ميت ) المعتمد [ ص: 314 ] خلاف هذا م ر ( قوله : ويرد بأنه لا مانع إلخ . ) يرد أيضا بأن المراد بالذبح هنا مطلق القطع لا الذبح الشرعي ، وإلا لزم استدراك قوله في حلق ، أو لبة فتدبر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( كتاب الصيد ، والذبائح )

                                                                                                                              ( قوله : بمعنى اسم المفعول ) أي : المصيد مغني ، وشرح المنهج يعني : ما يعتبر فيه من حيث اصطياده ليحل هو أي : المصيد ( قوله : على مصدريته ) أي : على معنى الاصطياد يعني : ما يعتبر فيه ليحل المصيد ( قوله : ذلك ) أي : بقائه على مصدريته ( قوله : جمع ذبيحة ) بمعنى مذبوحة مغني ، وشرح المنهج ، والتاء للوحدة بجيرمي يعني : ما يعتبر فيها من حيث ذبحها لتحل ( قوله : وأركانهما إلخ ) عبارة غيره ، وأركان الذبح بالمعنى الحاصل بالمصدر أربعة ذبح ، وذابح ، وذبيح ، وآلة ا هـ . قال الرشيدي قوله : بالمعنى الحاصل بالمصدر أي الانذباح ، وكون الحيوان مذبوحا ، وإنما فسروا بهذا ليغاير الذبح الذي هو أحد الأركان ، وإلا لزم اتحاد الكل ، والجزء ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : فاعل ، ومفعول به ، وفعل ، وآلة ) ، والمراد بكونها أركانا أنه لا بد لتحققهما منها ، وإلا فليس واحد منها جزءا منهما ا هـ . ع ش ( قوله : وما بعده ) لعله إلى كتاب القضاء ، وعبارة النهاية ، والأطعمة ، والنذر ا هـ . فليراجع ( قوله : ؛ لأن فيها إلخ ) عبارة النهاية ، والمغني ؛ لأن طلب الحلال فرض عين ا هـ . قال الرشيدي هذا كما يحسن مناسبة ذكرها هناك يحسن أيضا مناسبة ذكرها عقب الجهاد ، والذي يظهر أن صاحب الروضة إنما ذكرها هناك لمناسبة الأضحية للهدي لاشتراكهما في أكثر الأحكام ، ومن ثم ذكرها عقبه قبل الصيد ، والذبائح ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ؛ لأن فيها إلخ ) أقول ولمناسبتها مناسبة قوية بما ختم به باب الحج من صيد المحرم وذبحه الهدايا والجبرانات ونحو ذلك . ا هـ . سم ( قول المتن : ذكاة الحيوان إلخ ) هذه العبارة تفيد الحصر لعموم المبتدأ أي : كل ذكاة للحيوان إلخ ، وخصوص الخبر ا هـ . سم ( قوله : البري ) إلى قوله : وهي بالمعجمة في المغني ( قوله : إنما تحصل إلخ ) أي : تحصل شرعا [ ص: 313 ] بطريقين ذكر المصنف إحداهما في قوله : بذبحه إلخ ، والثانية في قوله : وإلا فبعقر إلخ ا هـ . مغني ( قول المتن : أو لبة ) ولو شك بعد وقوع الفعل منه هل هو محلل ، أو محرم فهل يحل ذلك أم لا فيه نظر ، والأقرب الأول ؛ لأن الأصل وقوعه على الصفة المجزئة ا هـ . ع ش ( قوله : بفتح أوله ) عبارة المغني بلام ، وموحدة مشددة مفتوحتين ا هـ . ( قوله : فالذبح هنا بمعنى القطع إلخ ) فكان الأولى ذكرهما في موضع واحد ا هـ . مغني ( قوله : وهي ) أي : الذكاة ( قوله : وبهذا ) أي : قوله : وهي بالمعجمة إلى هنا ( قوله : تعريفه ) أي : المصنف لها بذلك أي : للذكاة بالذبح ( قوله : ؛ لأنها ) أي : الذكاة ( قوله : منع أنها لغة الذبح ) أي : لما مر أنها لغة التطييب ، والتتميم .

                                                                                                                              ( قوله : كان المراد بها إلخ ) أي : في اللغة مطلقه ، وهو مطلق القطع ، وهو غير الذبح الشرعي أي : المراد بالذكاة هنا أي : والمراد بالذبح في كلامه المعنى اللغوي الذي هو مطلق القطع ، وبه يندفع ما في سم عبارته قوله : ؛ لأنها لغة الذبح هذا كبعض كلمات الشارح الآتية يدل على أنها في كلام المصنف بالمعنى اللغوي ، وهو ممنوع ، بل هي فيه بالمعنى الشرعي ، والذبح في كلامه بالمعنى اللغوي ، وهو مطلق القطع فلا إشكال ، وقوله : كان المراد بها مطلقه ، وهو غير الذبح شرعا إلخ هذا يقتضي أنه عرف المعنى اللغوي بالمعنى الشرعي ، ولو عكس فأجاب بأن المراد بها المعنى الشرعي ، وبالذبح المعنى اللغوي فليس فيه تعريف الشيء بنفسه كان صوابا ا هـ . بحذف ( قوله : على أنه ليس هنا تعريف أصلا ) بل هنا تعريف ضمني ا هـ . سم أي ، والأولى إسقاط أصلا ( قوله : وإنما صواب العبارة ) أي : في الاعتراض على المتن ( قوله : وجوابه ) أي : الاعتراض بهذه العبارة ( قوله : أن مطلق الذكاة ) يعني : الذبح الذي جعل جزءا من التعريف غير خصوص الذبح المبيح يعني الذي هو المراد من الذكاة المعرف ( قوله : ولا شك أن المطلق يحصل بيانه بذكر المفيد ) يتأمل ا هـ . سم ، ويمكن الجواب بأن المعنى أن الدال على الماهية إجمالا يبين بما يدل عليه تفصيلا كما هو شأن التعاريف مع معرفاتها

                                                                                                                              ( قوله : ولا يرد عليه إلخ ) عبارة شيخ الإسلام ، والنهاية ، والمغني ، واللفظ للأخير ، فإن قيل : يرد على الحصر في الطريقين الجنين ، فإن ذكاته بذكاة أمه أجيب بأن كلامه في الذكاة استقلالا ، وسيأتي الكلام على الجنين في باب الأطعمة ا هـ . فكان المناسب ذكره بعد قول المصنف ، وإلا فبعقر مزهق إلخ كما فعلوه .

                                                                                                                              ( قوله : أو ، وهو ميت ) المعتمد خلاف هذا م ر ا هـ . سم عبارة البجيرمي عن الشوبري ، وضابط حل الجنين أن ينسب موته إلى تذكية أمه ، ولو احتمالا بأن يموت بتذكيتها ، أو يبقى عيشه بعد التذكية عيش مذبوح ، ثم يموت ، أو يشك هل مات بالتذكية ، أو بغيرها ، فيحل ؛ لأنها سبب في حله ، والأصل عدم المانع فخرج ما لو تحققنا موته قبل تذكيتها كما لو أخرج رأسه ميتا ، أو حيا ثم مات ، ثم ذكيت ، وما لو تحققنا عيشه بعد التذكية ، ثم مات كما لو اضطرب في بطنها بعد تذكيتها زمانا طويلا ، أو تحرك في بطنها تحركا شديدا ، ثم سكن ، ثم ذكيت ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ؛ لأن انفصال بعض الولد إلخ ) علة للغاية ( قوله : وذلك ) أي : عدم الورود ( قوله : واعترضت ) إلى قوله : فعلم في المغني إلا قوله : أي : نكاحنا لأهل ملته ، وقوله : لما يأتي ( قوله : بأنه سيعبر عنه بالنحر ) [ ص: 314 ] أي ، ومقتضاه أنه لا يسمى ذبحا ا هـ . مغني ( قوله : ، ويرد بأنه لا مانع إلخ ) ويرد أيضا بأن المراد بالذبح مطلق القطع لا الذبح الشرعي ، وإلا لزم استدراك قوله : في حلق ، أو لبة فتدبر ا هـ . سم ( قول المتن فبعقر ) هو بفتح العين ، وسكون القاف الجرح ( قول المتن : مزهق ) أي : للروح ا هـ . مغني ( قوله : أي : بأي موضع منه وجد ) تفسير لحيث كان ، وقوله : تحصل ذكاته تقدير متعلق لبعقر ( قوله : لما يأتي ) أي : مع استثناء عقر الكلب للمتردي




                                                                                                                              الخدمات العلمية