الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5243 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن فراس عن عامر عن البراء قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فلا يذبح حتى ينصرف فقام أبو بردة بن نيار فقال يا رسول الله فعلت فقال هو شيء عجلته قال فإن عندي جذعة هي خير من مسنتين آذبحها قال نعم ثم لا تجزي عن أحد بعدك قال عامر هي خير نسيكتيه

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        حديث البراء ، أورده من طريق فراس بن يحيى عن الشعبي ، وقد تقدمت مباحثه قريبا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا ) المراد من كان على دين الإسلام .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلا يذبح ) أي الأضحية ( حتى ينصرف ) تمسك به الشافعية في أن أول وقت الأضحية قدر فراغ الصلاة والخطبة ، وإنما شرطوا فراغ الخطيب لأن الخطبتين مقصودتان مع الصلاة في هذه العبادة ، فيعتبر مقدار الصلاة والخطبتين على أخف ما يجزي بعد طلوع الشمس ، فإذا ذبح بعد ذلك أجزأه الذبح عن الأضحية ، سواء صلى العيد أم لا ، وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا ، ويستوي في ذلك أهل المصر والحاضر والبادي ونقل [ ص: 24 ] الطحاوي عن مالك والأوزاعي والشافعي : لا تجوز أضحية قبل أن يذبح الإمام ، وهو معروف عن مالك والأوزاعي لا الشافعي ، قال القرطبي : ظواهر الأحاديث تدل على تعليق الذبح بالصلاة ، لكن لما رأى الشافعي أن من لا صلاة عيد عليه مخاطب بالتضحية حمل الصلاة على وقتها . وقال أبو حنيفة والليث : لا ذبح قبل الصلاة ، ويجوز بعدها ولو لم يذبح الإمام ، وهو خاص بأهل المصر ، فأما أهل القرى والبوادي فيدخل وقت الأضحية في حقهم إذا طلع الفجر الثاني . وقال مالك : يذبحون إذا نحر أقرب أئمة القرى إليهم ، فإن نحروا قبل أجزأهم . وقال عطاء وربيعة : يذبح أهل القرى بعد طلوع الشمس . وقال أحمد وإسحاق : إذا فرغ الإمام من الصلاة جازت الأضحية ، وهو وجه للشافعية قوي من حيث الدليل وإن ضعفه بعضهم ، ومثله قول الثوري : يجوز بعد صلاة الإمام قبل خطبته وفي أثنائها ، ويحتمل أن يكون قوله حتى ينصرف أي من الصلاة ، كما في الروايات الأخر . وأصرح من ذلك ما وقع عند أحمد من طريق يزيد بن البراء عن أبيه رفعه إنما الذبح بعد الصلاة ووقع في حديث جندب عند مسلم من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى قال ابن دقيق العيد : هذا اللفظ أظهر في اعتبار فعل الصلاة من حديث البراء ، أي حيث جاء فيه من ذبح قبل الصلاة قال : لكن إن أجريناه على ظاهره اقتضى أن لا تجزئ الأضحية في حق من لم يصل العيد ، فإن ذهب إليه أحد فهو أسعد الناس بظاهر هذا الحديث ، وإلا وجب الخروج عن الظاهر في هذه الصورة ويبقى ما عداها في محل البحث . وتعقب بأنه قد وقع في صحيح مسلم في رواية أخرى قبل أن يصلي أو نصلي بالشك قال النووي : الأولى بالياء والثانية بالنون ، وهو شك من الراوي ، فعلى هذا إذا كان بلفظ " يصلي " ساوى لفظ حديث البراء في تعليق الحكم بفعل الصلاة ، قلت : وقد وقع عند البخاري في حديث جندب في الذبائح بمثل لفظ البراء ، وهو خلاف ما يوهمه سياق صاحب العمدة ، فإنه ساقه على لفظ مسلم ، وهو ظاهر في اعتبار فعل الصلاة ، فإن إطلاق لفظ الصلاة وإرادة وقتها خلاف الظاهر ، وأظهر من ذلك قوله قبل أن نصلي بالنون ، وكذا قوله قبل أن ننصرف سواء قلنا من الصلاة أم من الخطبة . وادعى بعض الشافعية أن معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى أي بعد أن يتوجه من مكان هذا القول ، لأنه خاطب بذلك من حضره فكأنه قال : من ذبح قبل فعل هذا من الصلاة والخطبة فليذبح أخرى ، أي لا يعتد بما ذبحه ولا يخفى ما فيه . وأورد الطحاوي ما أخرجه مسلم من حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بلفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم النحر بالمدينة ، فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نحر فأمرهم أن يعيدوا قال ورواه حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر بلفظ أن رجلا ذبح قبل أن يصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنهى أن يذبح أحد قبل الصلاة وصححه ابن حبان . ويشهد لذلك قوله في حديث البراء إن أول ما نصنع أن نبدأ بالصلاة ، ثم نرجع فننحر فإنه دال على أن وقت الذبح يدخل بعد فعل الصلاة ، ولا يشترط التأخير إلى نحر الإمام . ويؤيده - من طريق النظر - أن الإمام لو لم ينحر لم يكن ذلك مسقطا عن الناس مشروعية النحر ، ولو أن الإمام نحر قبل أن يصلي لم يجزئه نحره ، فدل على أنه هو والناس في وقت الأضحية سواء . وقال المهلب : إنما كره الذبح قبل الإمام لئلا يشتغل الناس بالذبح عن الصلاة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقام أبو بردة بن نيار فقال : يا رسول الله فعلت ) أي ذبحت قبل الصلاة . ووقع عند مسلم من هذا الوجه نسكت عن ابن لي وقد تقدم توجيهه .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 25 ] قوله : ( هي خير من مسنتين ) كذا وقع هنا بالتثنية ، وهي مبالغة . ووقع في رواية غيره من مسنة بالإفراد وتقدم توجيهه أيضا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال عامر هي خير نسيكتيه ) كذا فيه بالتثنية ، وفيه ضم الحقيقة إلى المجاز بلفظ واحد ، فإن النسيكة ، هي التي أجزأت عنه وهي الثانية ، والأولى لم تجز عنه ، لكن أطلق عليها نسيكة لأنه نحرها على أنها نسيكة أو نحرها في وقت النسيكة ، وإنما كانت خيرهما لأنها أجزأت عن الأضحية بخلاف الأولى ، وفي الأولى خير في الجملة باعتبار القصد الجميل ، ووقع عند مسلم من هذا الوجه قال ضح بها فإنها خير نسيكة ونقل ابن التين عن الشيخ أبي الحسن يعني ابن القصار أنه استدل بتسميتها نسيكة على أنه لا يجوز بيعها ولو ذبحت قبل الصلاة ، ولا يخفى وجه الضعف عليه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية