الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1089 [ 564 ] وعن أنس وسئل عن القنوت قبل الركوع أو بعده ؟ فقال : قبل الركوع . فقيل : فإن ناسا يزعمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت بعد الركوع ! قال : إنما قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرا .

                                                                                              - وفي رواية : بعد الركوع في صلاة الفجر يدعو على أناس قتلوا أناسا من أصحابه يقال لهم القراء .


                                                                                              رواه أحمد (3 \ 167)، والبخاري (1300)، ومسلم (677) (299 و 301)، وأبو داود (1444 و 1445)، والنسائي (2 \ 200)، وابن ماجه (1184) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (86) ومن باب : ما جاء في القنوت

                                                                                              قد تقدم ذكر القنوت ومعناه في اللغة ، وقد اختلف في حكمه في الفجر وفي الوتر في رمضان ; فقيل : لا قنوت في فجر ولا غيره - قاله الكوفيون والليث ويحيى بن يحيى من المالكية ، وأنكره الشعبي . وقيل : يقنت في الفجر دائما وفي سائر الصلوات إذا نزلت نازلة بالمسلمين - قاله الشافعي والطبري . وقال مالك وغيره : إنه مستحب في صلاة الفجر . وروي عن الشافعي ، وقال الحسن وابن سحنون : إنه سنة ، وهو مقتضى رواية علي عن مالك بإعادة تاركه للصلاة عمدا ، وحكى الطبري الإجماع على أن تركه غير مفسد للصلاة . وعن الحسن : في تركه سجود السهو .

                                                                                              [ ص: 302 ] ثم اختلفوا في موضعه ; فالمشهور عن مالك قبل الركوع ، وهو قول إسحاق وابن أبي ليلى وعمر بن عبد العزيز ، وروي عن علي وعمر وابن مسعود وجماعة من الصحابة والتابعين التخيير في ذلك ، ثم اختلف هل يكبر له ؟ وهل يرفع يديه إذا دعا فيه ؟ ومالك لا يرى شيئا من ذلك .

                                                                                              ثم اختلف القائلون بالقنوت في الفجر ; هل يقنت في الوتر ؟ فقيل : يقنت في وتر السنة كلها ، وهو قول ابن مسعود والحسن والنخعي وإسحاق وأبي ثور ، وقال قتادة : يقنت في السنة كلها إلا في النصف الأول من رمضان . وقالت طائفة : لا يقنت في الوتر جملة - وهو مروي عن ابن عمر وطاووس ، وهي رواية المصريين عن مالك . وروي عن علي وأبي وابن عمر وجماعة من السلف ، وهي رواية ابن وهب عن مالك أنه يقنت في النصف الآخر من رمضان من ليلة ست عشرة ، وقيل : خمس عشرة ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق . وعن أبي حنيفة : لا يقنت إلا في وتر رمضان فقط . ثم اتفقوا على أنه لا يتعين في القنوت دعاء مؤقت إلا ما روي عن بعض أهل الحديث في تخصيصهم بقنوت مصحف أبي بن كعب المروي أن جبريل علمه النبي صلى الله عليه وسلم ; وهو : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك . . . إلى آخره ، وأنه لا يصلى خلف من لا يقنت بذلك ، واستحبه مالك ، واستحب الشافعي القنوت بالدعاء المروي عن الحسن بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت . . . إلى آخره ، وقد اختار بعض شيوخنا البغداديين الجمع بينهما ، وهو قول إسحاق والحسن بن [ ص: 303 ] حي ، وسبب الخلاف فيما ذكر اختلاف الأحاديث ، وهل كان ذلك مخصوصا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أم لا ؟

                                                                                              وقوله “ اللهم أنج الوليد . . . " إلى آخره ، أنج : من النجاة ، والهمزة للتعدية ، وقد عدي بالتضعيف ، وأصله من النجوة وهو المرتفع من الأرض ، وهؤلاء المدعو لهم هم قوم من أهل مكة أسلموا ، ففتنهم أهل مكة وعذبوهم ، وبعد ذلك نجوا منهم، وهاجروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                              وقوله “ واجعلها عليهم كسني يوسف " ; يعني به قوله تعالى : ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون [ يوسف : 48 ] فاستجيب له - صلى الله عليه وسلم - فأجدبوا سبعا أكلوا فيها كل شيء ، حتى أكلوا الميتة والعظام ، وكان الواحد منهم يرى بينه وبين السماء دخانا من شدة الجوع والضعف ، حتى جاء أبو سفيان فكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعا لهم فسقوا على ما ذكرناه عن ابن مسعود في كتاب التفسير .

                                                                                              ولحيان ورعل وذكوان وعصية قبائل من العرب قتلوا أصحاب بئر معونة ، وهم السبعون القراء ، وكان من حديثهم أن أبا براء الكلابي - ويعرف بملاعب الأسنة - سأل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يوجه معه رجالا من أصحابه إلى قومه بنجد يدعونهم إلى الله ويعرضون عليهم الإسلام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني [ ص: 304 ] أخاف عليهم أهل نجد ! فقال له أبو براء : أنا لهم جار ! فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ، فلما مروا ببني عامر استصرخ عليهم عدو الله عامر بن الطفيل تلك القبائل التي دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم من بني سليم ، فأجابوه فقتلوهم ، ولم ينج منهم إلا عمرو بن أمية الضمري ، فحزن عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حزنا شديدا ، فإنه لم يصب بمثلهم ، وكانوا من خيار المهاجرين رضي الله عنهم .

                                                                                              وفي هذا الحديث من الفقه : جواز الدعاء على معين وله ، وجواز الدعاء بغير ألفاظ القرآن في الصلاة ، وهو حجة على أبي حنيفة في منعه ذلك كله فيها ، ولا خلاف في جواز لعن الكفرة والدعاء عليهم . واختلفوا في جواز الدعاء على أهل المعاصي ; فأجازه قوم ، ومنعه آخرون وقالوا : يدعى لهم بالتوبة لا عليهم . وقيل : إنما يدعى على أهل الانتهاك في حين فعلهم ذلك ، وأما في إدبارهم فيدعى لهم بالتوبة .

                                                                                              قلت : والذي استقر عليه أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القنوت ما رواه الدارقطني [ ص: 305 ] بإسناد صحيح عن أنس أنه قال : ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا . والله أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية