الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل

                                                                                                                                                                                                        5324 حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا قال أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت ذلك أن لك أجرين قال أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        " 8440 قوله : ( باب " أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ) كذا للأكثر ، وللنسفي الأول فالأول وجمعهما المستملي ، والمراد بالأول الأولية في الفضل ، والأمثل أفعل من المثالة والجمع أماثل وهم الفضلاء . وصدر هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه الدارمي والنسائي في " الكبرى " وابن ماجه وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم كلهم من طريق عاصم ابن بهدلة عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء ؟ قال : الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه الحديث وفيه : حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ، أخرجه الحاكم من رواية العلاء بن المسيب عن مصعب أيضا . وأخرج له شاهدا من حديث أبي سعيد ولفظه قال : الأنبياء ، قال : ثم من ؟ قال العلماء قال : ثم من ؟ قال : الصالحون الحديث ، وليس فيه ما في آخر حديث سعد . ولعل الإشارة بلفظ " الأول فالأول إلى ما أخرجه النسائي وصححه الحاكم من حديث فاطمة بنت اليمان أخت حذيفة قالت : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نساء نعوده ، فإذا بسقاء يقطر عليه من شدة الحمى ، فقال : إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم .

                                                                                                                                                                                                        " 8441 قوله : ( عن أبي حمزة ) هو السكري بضم المهملة وتشديد الكاف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن إبراهيم التيمي ) هو ابن يزيد بن شريك ، والحارث بن سويد هو تيمي أيضا ، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق كوفيون ، وليس للحارث بن سويد في البخاري سوى هذا الحديث وآخر يأتي في الدعوات ، لكنهما عنده من طرق عديدة ، وله عنده ثالث مضى في الأشربة من روايته عن علي بن أبي طالب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك ) في رواية سفيان التي قبلها أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه " والوعك بفتح الواو وسكون العين المهملة الحمى وقد تفتح وقيل ألم الحمى ، وقيل تعبها ، وقيل إرعادها الموعوك وتحريكها إياه ، وعن الأصمعي الوعك الحر ، فإن كان محفوظا فلعل الحمى سميت وعكا لحرارتها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ذلك ) إشارة إلى مضاعفة الأجر بشدة الحمى ، وعرف بهذا أن في الرواية السابقة في الباب قبله حذفا يعرف من هذه الرواية وهو قوله : إني أوعك كما يوعك رجلان منكم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أجل ) أي نعم وزنا ومعنى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أذى شوكة ) التنوين فيه للتقليل لا للجنس ليصح ترتب فوقها ودونها في العظم والحقارة عليه بالفاء ، وهو يحتمل فوقها في العظم ودونها في الحقارة وعكسه ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 117 ] قوله : ( كما تحط ) بفتح أوله وضم المهملة وتشديد الطاء المهملة أي تلقيه منتثرا . والحاصل أنه أثبت أن المرض إذا اشتد ضاعف الأجر ، ثم زاد عليه بعد ذلك أن المضاعفة تنتهي إلى أن تحط السيئات كلها ، أو المعنى : قال نعم شدة المرض ترفع الدرجات وتحط الخطيئات أيضا حتى لا يبقى منها شيء ، ويشير إلى ذلك حديث سعد الذي ذكرته قبل حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ومثله حديث أبي هريرة عند أحمد وابن أبي شيبة بلفظ لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة . قال أبو هريرة : ما من وجع يصيبني أحب إلي من الحمى ، إنها تدخل في كل مفصل من ابن آدم ، والله يعطي كل مفصل قسطه من الأجر " ووجه دلالة حديث الباب على الترجمة من جهة قياس الأنبياء على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وإلحاق الأولياء بهم لقربهم منهم وإن كانت درجتهم منحطة عنهم ، والسر فيه أن البلاء في مقابلة النعمة ، فمن كانت نعمة الله عليه أكثر كان بلاؤه أشد ، ومن ثم ضوعف حد الحر على العبد ، وقيل لأمهات المؤمنين من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين قال ابن الجوزي : في الحديث دلالة على أن القوي يحمل ما حمل ، والضعيف يرفق به إلا أنه كلما قويت المعرفة بالمبتلى هان عليه البلاء ، ومنهم من ينظر إلى أجر البلاء فيهون عليه البلاء ، وأعلى من ذلك درجة من يرى أن هذا تصرف المالك في ملكه فيسلم ولا يعترض ، وأرفع منه من شغلته المحبة عن طلب رفع البلاء ، وأنهى المراتب من يتلذذ به لأنه عن اختياره نشأ ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية