الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثالث عشر‏ : إذا وقع في الكتاب ما ليس منه فإنه ينفى عنه بالضرب ، أو الحك ، أو المحو ، أو غير ذلك‏ . ‏ والضرب خير من الحك والمحو‏ . ‏

[ ص: 199 ] روينا عن القاضي أبي محمد بن خلاد رحمه الله قال‏ : قال أصحابنا " ‏الحك تهمة‏ " ‏‏ . ‏ وأخبرني من أخبر عن ‏القاضي عياض‏ قال‏ : سمعت شيخنا ‏أبا بحر سفيان بن العاص الأسدي‏ يحكي عن بعض شيوخه أنه كان يقول‏ : " كان الشيوخ يكرهون حضور السكين مجلس السماع حتى لا يبشر شيء ; لأن ما يبشر منه ربما يصح في رواية أخرى‏ ، وقد يسمع الكتاب مرة أخرى على شيخ آخر يكون ما بشر وحك من رواية هذا صحيحا في رواية الآخر ، فيحتاج إلى إلحاقه بعد أن بشر ، وهو إذا خط عليه من رواية الأول وصح عند الآخر اكتفي بعلامة الآخر عليه بصحته‏ " . ‏

ثم إنهم اختلفوا في كيفية الضرب‏ :

فروينا عن أبي محمد بن خلاد‏ قال‏ : " أجود الضرب أن لا يطمس المضروب عليه ، بل يخط من فوقه خطا جيدا بينا يدل على إبطاله ، ويقرأ من تحته ما خط عليه‏ " . ‏

وروينا عن القاضي عياض ما معناه‏ : أن اختيارات الضابطين اختلفت في الضرب‏ ، فأكثرهم على مد الخط على المضروب عليه مختلطا بالكلمات المضروب عليها ، ويسمى ذلك ( ‏الشق ) أيضا . ‏

[ ص: 200 ] ومنهم من لا يخلطه ، ويثبته فوقه ، لكنه يعطف طرفي الخط على أول المضروب عليه وآخره‏ . ‏

ومنهم من يستقبح هذا ، ويراه تسويدا ، وتطليسا ، بل يحوق على أول الكلام المضروب عليه بنصف دائرة ، وكذلك في آخره‏ ، وإذا كثر الكلام المضروب عليه فقد يفعل ذلك في أول كل سطر منه وآخره ، وقد يكتفي بالتحويق على أول الكلام وآخره أجمع‏ . ‏

ومن الأشياخ من يستقبح الضرب ، والتحويق ، ويكتفي بدائرة صغيرة أول الزيادة وآخرها ، ويسميها صفرا كما يسميها أهل الحساب‏ . ‏

وربما كتب بعضهم عليه ( ‏لا ) في أوله ، و‏ ( ‏إلى‏ ) في آخره‏ ، ومثل هذا يحسن فيما صح في رواية ، وسقط في رواية أخرى ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

وأما الضرب على الحرف المكرر‏ : فقد تقدم بالكلام فيه القاضي ‏أبو محمد بن خلاد الرامهرمزي‏ رحمه الله على تقدمه‏ ، فروينا عنه قال‏ : قال بعض أصحابنا‏ : " أولاهما بأن يبطل الثاني ، لأن الأول كتب على صواب ، والثاني كتب على الخطأ ، فالخطأ أولى بالإبطال‏ " ، وقال آخرون‏ : " إنما الكتاب علامة لما يقرأ ، فأولى الحرفين بالإبقاء أدلهما عليه ، وأجودهما صورة‏ " . ‏

[ ص: 201 ] وجاء ‏القاضي عياض‏ آخرا ففصل تفصيلا حسنا‏ ، فرأى أن تكرر الحرف إن كان في أول سطر فليضرب على الثاني ; صيانة لأول السطر عن التسويد ، والتشويه‏ ، وإن كان في آخر سطر فليضرب على أولهما صيانة لآخر السطر ، فإن سلامة أوائل السطور ، وأواخرها عن ذلك أولى‏ ، فإن اتفق أحدهما في آخر سطر ، والآخر في أول سطر آخر فليضرب على الذي في آخر السطر ، فإن أول السطر أولى بالمراعاة‏ ، فإن كان التكرر في المضاف ، أو المضاف إليه ، أو في الصفة ، أو في الموصوف ، أو نحو ذلك‏ لم نراع حينئذ أول السطر ، وآخره ، بل نراعي الاتصال بين المضاف ، والمضاف إليه ، ونحوهما في الخط ، فلا نفصل بالضرب بينهما ، ونضرب على الحرف المتطرف من المتكرر دون المتوسط‏ . ‏

وأما المحو‏ : فيقابل الكشط في حكمه الذي تقدم ذكره ، وتتنوع طرقه‏ ، ومن أغربها - مع أنه أسلمها - ما روي عن ‏سحنون بن سعيد التنوخي‏ الإمام المالكي‏ : أنه كان ربما كتب الشيء ثم لعقه‏ ، وإلى هذا يومي ما روينا عن ‏إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنه كان يقول‏ : " من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مداد " ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

التالي السابق


الخدمات العلمية