الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الإعراب:

                                                                                                                                                                                                                                      من قرأ: {موص} ، و {موص} ؛ فهما متقاربان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كما كتب على الذين من قبلكم : (الكاف) : نعت لمصدر محذوف، أو في موضع الحال من {الصيام} .

                                                                                                                                                                                                                                      أياما معدودات : يجوز أن يكون قوله: {أياما} ظرفا لـ {كتب} ، فينتصب على الظرف، والعامل فيه: {كتب} ، ويتسع فيه، فيشبه بالمفعول، وكذلك قال الفراء : إن {أياما} مفعول ما لم يسم فاعله، ورد ذلك الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون العامل في (أيام) : {الصيام} ، فينصب على الظرف، أو على أنه مفعول على السعة، ولا يجوز على هذا أن يجعل {كما} صفة لمصدر {كتب} [ ص: 462 ] إذا جعلت (الأيام) متعلقة بـ {الصيام} دون {كتب} ، وجعلت (الأيام) مفعوله; لأن فيه فصلا بين الصلة والموصول بأجنبي قد عمل فيه شيء غير {الصيام} ؛ لأن {كما} معمول {كتب} ، من حيث كان صفة لمصدرها المحذوف، فلا يجوز الفصل به بين {الصيام} ومعموله الذي هو (الأيام) إذا علق بـ {الصيام} دون {كتب} ، فإنما ينصب (الأيام) من جعل (الكاف) نعتا لمصدر محذوف على الظرف، أو على أنها مفعولة لـ {كتب} على السعة.

                                                                                                                                                                                                                                      وأجاز بعضهم أن تكون (الكاف) من {كما} نعتا لـ {الصيام} ؛ إذ هو عام لم يأت بيانه إلا فيما بعده، فيجوز على هذا نصب (الأيام) بـ {الصيام} ؛ لأنه داخل في صلته.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو علي : الأجود فيمن جعل (الأيام) معمول {الصيام} ؛ أن ينصبه على أنه ظرف، ولا يتسع فيه فيجعله مفعولا.

                                                                                                                                                                                                                                      فلم يستحسن أبو علي إعمال المصدر عمل الفعل وفيه الألف واللام; لأن الفعل نكرة، فحكم ما قام مقامه أن يكون مثله.

                                                                                                                                                                                                                                      {يطيقونه} من قرأ: {يطيقونه} ؛ فالأصل: (يتطيقونه) ، مثل: (يتفعلونه) ، [ ص: 463 ] أو (يتطيوقونه) مثل: (يتفيعلونه) ، قلبت الواو ياء، وأدغمت فيها الياء.

                                                                                                                                                                                                                                      نظير الأول: (تهير الجرف) ، فيمن جعل أصله: (تهور) ، فأبدلت العينان وهما واوان- ياءين، ونظير الثاني (تحيز) هو (تفعيل) من (حاز يحوز) .

                                                                                                                                                                                                                                      [وكذلك القول لمن قرأ: {يطيقونه} ، يجوز أن يكون «يفعلونه» أو (يفيعلونه) .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {يطوقونه} ؛ فهو (يفعلونه) ، ولا إبدال فيه; لأن الواو أصل; بدلالة قولهم: (لا طوق لي به، ولا طاقة) ؛ فمعناه: يجعل لهم كالطوق في أعناقهم.

                                                                                                                                                                                                                                      و {يطوقونه} أصلها: (يتفعلونه) ، ويجوز أن يكون (يتفوعلونه) ، والأول أقيس.

                                                                                                                                                                                                                                      {فدية طعام}: من أضاف; فهو من باب إضافة الشيء إلى بعضه، سمي الطعام فدية، ثم أضيف إلى الطعام الذي يكون فدية وغير فدية.

                                                                                                                                                                                                                                      ورفع {طعام} لمن رفعه- على أنه عطف بيان، بين الفدية ما هي.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 464 ] ومن جمع {مساكين} ؛ فلأن الذين يطيقونه جماعة، ومن أفرد; فعلى معنى: وعلى كل واحد من الذين يطيقونه فدية طعام مسكين لكل يوم أفطره.

                                                                                                                                                                                                                                      شهر رمضان : الرفع على الابتداء، والخبر: الذي أنزل فيه القرآن ، أو يرتفع على إضمار مبتدأ، المعنى: المفترض عليكم صومه شهر رمضان، [أو يكون على تقدير: (وفيما كتب عليكم شهر رمضان) ]، أو يكون شهر رمضان مبتدأ و الذي أنزل فيه القرآن صفة، والخبر: فمن شهد منكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأعيد ذكر (الشهر) ؛ تعظيما له، كقوله الحاقة ما الحاقة [الحاقة: 1-2]، وجاز أن يدخله معنى الجزاء; لأن (شهر رمضان) وإن كان معرفة; فليس معرفة بعينها; لأنه شائع في جميع القبائل، قاله أبو علي .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن نصب شهر رمضان ؛ فعلى معنى: (الزموا شهر رمضان) ، أو (صوموا شهر رمضان) ، و الذي أنزل فيه القرآن : نعت له، ولا ينتصب بـ {تصوموا} ؛ لئلا يفرق بين الصلة والموصول بخبر {أن} ؛ وهو خير لكم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 465 ] الرماني: يجوز نصبه على البدل من قوله: أياما معدودات .

                                                                                                                                                                                                                                      فمن شهد منكم الشهر : ظرف، والمفعول محذوف، ولا يكون {الشهر} مفعولا; لأن كل مسافر وحاضر يشهده، [إلا أن تقدر على معنى: من أدرك منكم الشهر وهو متكامل الشروط التي يلزم الصوم بها، فيكون مفعولا حسب ما تقدم].

                                                                                                                                                                                                                                      وإسكان (اللام) من {فليصمه} تخفيف، والكسر أصلها; لأنها لام الأمر، والحرف المتصل بها لا ينفصل، فصار كما هو من نفس الكلمة، ومن كسر; جاء بها على الأصل، ولم يعتد بالحرف; لأنه زائد.

                                                                                                                                                                                                                                      والضم والإسكان في {العسر} و {اليسر} لغتان.

                                                                                                                                                                                                                                      وأنتم عاكفون في المساجد : الإفراد كالجمع في المعنى; لأنه اسم للجنس.

                                                                                                                                                                                                                                      وتدلوا بها إلى الحكام : يجوز أن يكون منصوبا على جواب النهي بالواو، ومجزوما على العطف على ولا تأكلوا .

                                                                                                                                                                                                                                      والكسر والفتح في (الحج) لغتان، وهما مصدران، وقيل: إنه بالكسر [الاسم، وبالفتح المصدر].

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 466 ] {البيوت} وبابه: من ضم أوله; فهو الأصل; لأنه جمع على (فعول) ، ومن كسره; كره الخروج من ضمة إلى ياء]، ولم يكره الخروج من كسرة إلى ضمة; لأن الكسرة ليست بلازمة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تقاتلوهم وصاحباه: من قرأها من القتل; فلأن بعده: {فاقتلوهم} ، ومن قرأها من القتال; فلأن بعده: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة .

                                                                                                                                                                                                                                      والعمرة لله : من رفع; فعلى الابتداء، والمعنى: (والعمرة مما يتقرب به إلى الله) ، والنصب على العطف على {الحج} .

                                                                                                                                                                                                                                      فما استيسر من الهدي : موضع (ما) رفع على معنى: (فعليه ما استيسر) ، أو نصب على تقدير: (فليهد ما استيسر) .

                                                                                                                                                                                                                                      الحج أشهر معلومات : ابتداء وخبر، وتقديره: (أشهر الحج أشهر معلومات) ، أو: (الحج حج أشهر) ، ويجوز في الكلام النصب على أنه ظرف.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 467 ] و {الهدي} و {الهدي} لغتان، والهدي: لغة بني تميم، وقد تقدم القول فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج : نصب الثلاثة على معنى نفي جميع المذكور، وخبر الثلاثة على هذه القراءة: في الحج ، ومن رفع الثلاثة; جعل {لا} بمعنى (ليس) ، والخبر أيضا في الحج ، وقد عرف من مجرى الكلام أن المراد نفي جميع الضروب المذكورة.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن نصب ولا جدال وحده; فإنه يجعل خبر (ليس) محذوفا، وقوله: في الحج خبر ولا جدال ، ولا يكون في الحج خبرا عن الثلاثة على هذه القراءة; إذ لا يعمل عاملان في اسم واحد; وهما: {لا} التي بمعنى (ليس) ، و(لا) التي تبنى مع الاسم، وخبر الأولى يكون منصوبا، وخبر الثانية يكون مرفوعا; فيكون في الحج مرفوعا منصوبا، وذلك محال.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 468 ] فإن رفعت (الرفث) و (الفسوق) بالابتداء; ففي الخبر قولان:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أن يكون في الحج خبرا عن الثلاثة; لأن خبر (لا) المبنية مع الاسم مرفوع عند سيبويه، كما يرفع خبر الابتداء.

                                                                                                                                                                                                                                      والآخر: أن يكون أحد الخبرين محذوفا، وهو مذهب الأخفش ; لأنه يرى أن {لا} في ولا جدال تعمل في الخبر الذي هو في الحج ، فيصير قد عمل فيه شيئان: الابتداء، و {لا} .

                                                                                                                                                                                                                                      ووجه تفرقة من فرق بين (الرفث) و(الفسوق) وبين (الجدال) : أن قوله: فلا رفث ولا فسوق ليس بنفي عام; إذ قد يقع الرفث والفسوق من أهل الخطايا، وقوله: ولا جدال نفي عام; لأن معالم الحج قد استقرت، فلا جدال في إيجابه لأحد من الناس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: لا جدال في الحج أنه في ذي الحجة; لأنهم كانوا يقدمونه ويؤخرونه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: فإذا أفضتم من عرفات : {عرفات} : اسم لمكان واحد، ولفظها جمع، وصرفت وهي معرفة مؤنثة; لأنها على حكاية الجمع، كما [ ص: 469 ] يجب أن يحكى المذكر إذا سمي به، ألا ترى أن النصب والجر يستويان في الياء; كـ (الزيدين) ، وليست بمنزلة هاء التأنيث.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز ترك صرفها تشبيها بالواحد، فيسقط التنوين، ويترك الإعراب; كالجمع.

                                                                                                                                                                                                                                      حكى سيبويه: أن بعض العرب يحذف التنوين من (عرفات) ، ويترك التاء مكسورة في النصب والجر; لما جعلها اسما معرفة.

                                                                                                                                                                                                                                      وحكى الأخفش، والكوفيون: فتح التاء من غير تنوين في النصب والجر; على إجرائها مجرى تاء التأنيث في نحو: فاطمة، وعائشة، وأنكره الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من حيث أفاض الناس من قرأ: {الناسي} ؛ أراد آدم عليه السلام من قوله: ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي [طه: 115]، وحذف الياء وبقاء الكسرة كالإثبات في المعنى.

                                                                                                                                                                                                                                      فاذكروا الله كذكركم آباءكم : (الكاف) من {كذكركم} : نعت لمصدر محذوف، أو في موضع الحال من المضمر في {اذكروا} .

                                                                                                                                                                                                                                      أو أشد ذكرا : موضع {أشد} جر بالعطف على {كذكركم} ، أو نصب على تقدير: (فاذكروه ذكرا أشد من ذكركم آباءكم) .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية