الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5436 حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا أبو أسامة حدثنا هاشم بن هاشم قال سمعت عامر بن سعد سمعت سعدا رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تصبح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق




                                                                                                                                                                                                        قوله في رواية أبي أسامة ( سبع تمرات عجوة ) في رواية الكشميهني بسبع تمرات بزيادة الموحدة في أوله ، ويجوز في تمرات عجوة الإضافة فتخفض كما تقول ثياب خز ، ويجوز التنوين على أنه عطف بيان أو صفة لسبع أو تمرات ويجوز النصب منونا على تقدير فعل أو على التمييز . قال الخطابي : كون العجوة تنفع من السم والسحر إنما هو ببركة دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لتمر المدينة لا لخاصية في التمر . وقال ابن التين : يحتمل أن يكون المراد نخلا خاصا بالمدينة لا يعرف الآن . وقال بعض شراح " المصابيح " نحوه وإنه ذلك لخاصية فيه ، قال : ويحتمل أن يكون ذلك خاصا بزمانه - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا يبعده وصف عائشة لذلك بعده - صلى الله عليه وسلم - . وقال بعض شراح " المشارق " أما تخصيص تمر المدينة بذلك فواضح من ألفاظ المتن ، وأما تخصيص زمانه بذلك فبعيد ، وأما خصوصية السبع فالظاهر أنه لسر فيها ، وإلا فيستحب أن يكون ذلك وترا . وقال المازري : هذا مما لا يعقل معناه في طريق علم الطب ، ولو صح أن يخرج لمنفعة التمر في السم وجه من جهة الطب لم يقدر على إظهار وجه الاقتصار على هذا العدد الذي هو السبع ، ولا على الاقتصار على هذا الجنس الذي هو العجوة ، ولعل ذلك كان لأهل زمانه - صلى الله عليه وسلم - خاصة أو لأكثرهم ، إذ لم يثبت استمرار وقوع الشفاء في زماننا غالبا ، وإن وجد ذلك في الأكثر حمل على أنه أراد وصف غالب الحال . وقال عياض : تخصيصه ذلك بعجوة [ ص: 251 ] العالية وبما بين لابتي المدينة يرفع هذا الإشكال ويكون خصوصا لها ، كما وجد الشفاء لبعض الأدواء في الأدوية التي تكون في بعض تلك البلاد دون ذلك الجنس في غيره ، لتأثير يكون في ذلك من الأرض أو الهواء . قال : وأما تخصيص هذا العدد فلجمعه بين الإفراد والإشفاع ، لأنه زاد على نصف العشرة ، وفيه أشفاع ثلاثة وأوتار أربعة ، وهي من نمط غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا وقوله - تعالى - : سبع سنابل وكما أن السبعين مبالغة في كثرة العشرات والسبعمائة مبالغة في كثرة المئين . وقال النووي : في الحديث تخصيص عجوة المدينة بما ذكر ، وأما خصوص كون ذلك سبعا فلا يعقل معناه كما في أعداد الصلوات ونصب الزكوات . قال : وقد تكلم في ذلك المازري وعياض بكلام باطل فلا يغتر به انتهى . ولم يظهر لي من كلامهما ما يقتضي الحكم عليه بالبطلان ، بل كلام المازري يشير إلى محصل ما اقتصر عليه النووي ، وفي كلام عياض إشارة إلى المناسبة فقط ، والمناسبات لا يقصد فيها التحقيق البالغ بل يكتفى منها بطرق الإشارة . وقال القرطبي : ظاهر الأحاديث خصوصية عجوة المدينة بدفع السم وإبطال السحر ، والمطلق منها محمول على المقيد ، وهو من باب الخواص التي لا تدرك بقياس ظني . ومن أئمتنا من تكلف لذلك فقال : إن السموم إنما تقتل لإفراط برودتها ، فإذا داوم على التصبح بالعجوة تحكمت فيه الحرارة وأعانتها الحرارة الغريزية فقاوم ذلك برودة السم ما لم يستحكم . قال : وهذا يلزم منه رفع خصوصية عجوة المدينة بل خصوصية العجوة بل خصوصية التمر ، فإن من الأدوية الحارة ما هو أولى بذلك من التمر ، والأولى أن ذلك خاص بعجوة المدينة . ثم هل هو خاص بزمان نطقه أو في كل زمان ؟ هذا محتمل ، ويرفع هذا الاحتمال التجربة المتكررة . فمن جرب ذلك فصح معه عرف أنه مستمر ، وإلا فهو مخصوص بذلك الزمان . قال وأما خصوصية هذا العدد فقد جاء في مواطن كثيرة من الطب كحديث صبوا علي من سبع قرب وقوله للمفئود الذي وجهه للحارث بن كلدة أن يلده بسبع تمرات ، وجاء تعويذه سبع مرات ، إلى غير ذلك . وأما في غير الطب فكثير ، فما جاء من هذا العدد في معرض التداوي فذلك لخاصية لا يعلمها إلا الله أو من أطلعه على ذلك ، وما جاء منه في غير معرض التداوي فإن العرب تضع هذا العدد موضع الكثرة وإن لم ترد عددا بعينه . وقال ابن القيم : عجوة المدينة من أنفع تمر الحجاز ، وهو صنف كريم ملزز متين الجسم والقوة ، وهو من ألين التمر وألذه . قال : والتمر في الأصل من أكثر الثمار تغذية لما فيه من الجوهر الحار الرطب ، وأكله على الريق يقتل الديدان لما فيه من القوة الترياقية ، فإذا أديم أكله على الريق جفف مادة الدود وأضعفه أو قتله انتهى . وفي كلامه إشارة إلى أن المراد نوع خاص من السم وهو ما ينشأ عن الديدان التي في البطن لا كل السموم ، لكن سياق الخبر يقتضي التعميم لأنه نكرة في سياق النفي ، وعلى تقدير التسليم في السم فماذا يصنع في السحر .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية