الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( المسألة الثانية : ما مذهب أهل السنة )

                          قد علمت أن السيد الألوسي عزا القول بإيمان أبي إبراهيم الخليل - عليه الصلاة والسلام - إلى الجم الغفير من أئمة أهل السنة ، وأن هذه هفوة منه - عفا الله تعالى عنه - ولا يخفى على مثله أن هذا اللفظ لا يصح أن يطلق على رأي كل من صنف رسالة أو كتابا من المنتسبين إلى مذاهب أهل السنة في الأصول أو الفروع . وإنما مذهب أهل السنة والجماعة ما كان عليه السواد الأعظم من الصحابة وعلماء التابعين ، وأئمة الحديث والفقه ممن تبعهم في الاعتصام بنصوص الكتاب والسنة . ومن غير تحريف ولا تكلف لإرجاع ظواهرها إلى ما ابتدع من البدع والآراء التي أحدثها أهل الأهواء ، ومنهم فقهاء الأمصار المشهورون ، كأبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، وداود ، وغيرهم . وقد انتسب إلى بعض مذاهب هؤلاء كثير من أهل الكلام فخالفوهم في بعض الأصول كبعض المعتزلة من الشافعية ، وكثير من المعتزلة والمرجئة من الحنفية ، وأقرب المتكلمين إليهم الأشاعرة ، وأكثرهم من المالكية والشافعية والماتريدية من الحنفية ، ولكن هؤلاء قد اضطروا إلى الخوض في مسائل من الكلام لم تؤثر عن أئمتهم في الفقه ، ولا عن غيرهم من السلف الصالح ، واختلف الأشعرية والماتريدية في كثير منها كما اختلف الأولون منهم في عدة مسائل خالف بعضهم فيها الأشعري ، أو خالف بعضهم بعضا ، فهم على انتسابهم كلهم إلى السنة لا يصح أن يجعل كل ما قرره واحد أو آحاد منهم مذهبا لأهل السنة والجماعة ، وإن تقلد ذلك الكثيرون من الناس ، وإنما القاعد في كل ما حدث بعد الصدر الأول من الأقوال والآراء ، وتنازع فيه العلماء فلم يجمعوا فيه على قول أن يرد إلى الكتاب والسنة ، فيؤخذ ما وافقهما ويرد ما خالفهما عملا بقوله تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) [ ص: 461 ] ( 4 : 59 ) الآية . وقد بينا نصوص القرآن والسنة الصحيحة في مسألة آباء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكلام بعض علماء السلف والخلف في الأخذ بها من غير تأويل فكل ما خالفها فهو مردود ، وليس من مذهب أهل السنة في شيء .

                          هذا وإنني بعد كتابة ما تقدم وجمعه للطبع عثرت بالمصادفة على ما كتبه الألوسي في مسألة استغفار إبراهيم لأبيه من تفسير سورة الممتحنة ، فإذا هو مبني على رجوعه عن هفوته التي نقلناها عنه وانتقدناها عليه ، وحملنا ذلك على مراجعة ما كتبه في المسألة من تفسير سورة التوبة ، فإذا هو مثل الذي في تفسير سورة الممتحنة في بنائه على أن آزر أبو إبراهيم ، وأنه مات مشركا ، وهذا هو اللائق بعلمه واستقلاله في الفهم ، وهذا شأن علماء السنة ؛ إذا قال أحدهم قولا ثم كان الدليل من أحدهما أو كليهما ، وهو من الخطأ الذي يغفره الله تعالى للمخلصين الأوابين ، بل ثبت في الحديث الصحيح أن الحاكم إذا اجتهد فأخطأ فله أجر ، أي أجر الاجتهاد ، وإذا اجتهد فأصاب كان له أجران ، أي أجر الاجتهاد وأجر الإصابة ، وهذا مما يؤكد اتقاء الاغترار بقول أي عالم خالف النص أو ما اشتهر عن السلف الصالح - رضي الله تعالى عنهم ، ووفقنا للاقتداء بهم .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية