الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5323 - وعنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين ، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ، ألسنتهم أحلى من السكر ، وقلوبهم قلوب الذئاب ، يقول الله : أبي يغترون أم علي يجترئون ؟ فبي حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم فيهم حيران " . رواه الترمذي .

التالي السابق


5323 - ( وعنه ) ، أي عن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : " يخرج في آخر الزمان " ) أي : يظهر ( " رجال يختلون " ) بسكون الخاء وكسر التاء ، أي : يطلبون ( " الدنيا بالدين " ) ، أي بعمل أهل الآخرة ، أو يستبدلونها به ويختارونها عنه ، والأظهر أن معناه : يخدعون أهل الدنيا بعمل الدين ، من ختله إذا خدعه ، والمعنى : يختلون في طلبها بملابسة الأمور الدينية والتدرع بلباسها على وجه الرياء والسمعة وسائر الأحوال الدنية ، كما يدل عليه قوله : ( " يلبسون للناس " ) أي : لله ( " جلود الضأن " ) : بسكون الهمزة ويبدل ، والمراد به عينه أو ما عليه من الصوف وهو الأظهر ، فالمعنى أنهم يلبسون الأصواف ليظنهم الناس زهادا وعبادا ، تاركين الدنيا ، راغبين في العقبى ( " من اللين " ) ، أي : من أجل إظهار التلين ، والتلطف ، والتمسكن ، والتقشف مع الناس ، وأرادوا به في حقيقة الأمر التملق والتواضع في وجوه الناس ، ليصيروا مريدين لهم ومعتقدين لأحوالهم ( " ألسنتهم أحلى من السكر ، وقلوبهم قلوب الذئاب " ) ، بهمز ويبدل ، أي : أمر من مرارتها من شدة حب الدنيا والجاه ، وكثرة البغض والعداوة لأهل التقوى ، وغلبة الصفات البهيمية ، والشهوات الحيوانية ، والإرادات النفسانية ، كما قال تعالى : ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام أي : على الطعام ، وعلى تحصيل المال الحرام . ( " يقول الله : أبي " ) أي : بإمهالي ( " يغترون " ) أي : لم يدروا أني أمهل ولا أهمل ، والمراد بالاغترار هنا عدم الخوف من الله تعالى ، وترك التوبة من فعلهم القبيح ، أي : أفلا يخافون من سخطي وعقابي ؟ ( " أم علي " ) أي : على مخالفتي ( " يجترئون " ) ؟ أي بمكرهم الناس في إظهار الأعمال الصالحة افتعال من الجراءة ; ولذا قيل : الاجتراء الانبساط والتشجيع .

[ ص: 3336 ] قال الطيبي - رحمه الله - : أم منقطعة أنكر أولا اغترارهم بالله وبإهماله إياهم حتى اغتروا ، ثم أضرب عن ذلك وأنكر عليهم ما هو أطم منهم ، وهو اجتراؤهم على الله . ( " فبي " ) أي : فبذاتي وصفاتي ( " حلفت لأبعثن " ) من البعث ، أي : لأسلطن ، أو لأقضين ( " على أولئك " ) أي : الموصوفين بما ذكر ( " منهم " ) أي : مما بينهم بتسليط بعضهم على بعض ( " فتنة تدع الحليم " ) أي : تترك العالم الحازم فضلا عن غيره ، وفي بعض نسخ المصابيح : الحكيم بالكاف بدل الحليم باللام ، والمؤدى واحد ( " فيهم " ) أي : فيما بينهم ( " حيران " ) ، أي : حال كونه متحيرا في الفتنة ، لا يقدر على دفعها ولا على الخلاص منها ، لا بالإقامة فيها ولا بالفرار منها . قال الأشرف : من في " منهم " يجوز أن تكون للتبيين بمعنى الذين ، والإشارة إلى الرجال ، وتقديره على أولئك الذين يختلون الدنيا بالدين ، وأن يجعل متعلقا بالفتنة ، أي : لأبعثن على الرجال الذين يختلون الدنيا بالدين فتنة ناشئة منهم . ( رواه الترمذي ) .




الخدمات العلمية