الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  42 - وقال الليث : حدثني يونس ، عن ابن شهاب ، قال عروة : قالت عائشة رضي الله عنها إن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها وعليها خمسة أواقي نجمت عليها في خمس سنين ، فقالت لها عائشة ونفست فيها : أرأيت إن عددت لهم عدة واحدة أيبيعك أهلك فأعتقك فيكون ولاؤك لي فذهبت بريرة إلى أهلها فعرضت ذلك عليهم ، فقالوا : لا ، إلا أن يكون لنا الولاء ، قالت عائشة : فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك له ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشتريها ، فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل ، شرط الله أحق وأوثق .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " نجمت عليها في خمس سنين " وهذا الحديث ذكره البخاري في كتابه في عدة مواضع أولها في كتاب الصلاة في باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد ، فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله ، عن سفيان ، عن يحيى ، عن عمرة ، عن عائشة ، الحديث ، وقد ذكرنا ما يتعلق بكل واحد في موضعه ، وذكره هنا معلقا ، ووصله الذهلي في الزهريات عن أبي صالح كاتب الليث ، عن الليث ، وفيه مقال من وجهين أحدهما : أن المحفوظ رواية الليث له عن ابن شهاب نفسه بغير واسطة ، وسيأتي في الباب الذي يليه أنه رواه عن قتيبة ، عن الليث ، عن ابن شهاب ، وكذلك أخرجه مسلم أيضا عن قتيبة ، عن الليث ، عن ابن شهاب ، وكذلك أخرجه الطحاوي قال : حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني رجال من أهل العلم منهم يونس بن يزيد ، والليث بن سعد ، عن ابن شهاب حدثهم عن عروة بن الزبير ، عن عائشة زوج النبي [ ص: 120 ] صلى الله تعالى عليه وسلم قالت : " جاءت بريرة " الحديث ، وأخرجه النسائي عن يونس بن يزيد ، عن ابن وهب إلى آخره نحو رواية الطحاوي فاشترك النسائي والطحاوي هنا في يونس بن عبد الأعلى ، وقد علم من هذا أن يونس بن يزيد رفيق الليث فيه لا شيخه ، والوجه الآخر أنه وقع فيه مخالفة للروايات المشهورة ، وهو قوله : " وعليها خمسة أواق نجمت عليها في خمس سنين " ، والمشهور ما في رواية هشام بن عروة التي تأتي بعد بابين عن أبيه : " أنها كاتبت على تسع أواق كل عام أوقية " ، وقد جزم الإسماعيلي أن هذه الرواية المعلقة غلط ، ( قلت ) : أجيب عنه بأن التسع أصل والخمس كانت بقيت عليها وبهذا جزم القرطبي ، والمحب الطبري ، ( فإن قلت ) : في رواية قتيبة : " ولم تكن أدت من كتابتها شيئا " ( قلت ) : أجيب بأنها كانت حصلت الأربع أواق قبل أن تستعين بعائشة ثم جاءتها وقد بقي عليها خمس ، وقال القرطبي : يجاب بأن الخمس هي التي كانت استحقت عليها لحلول نجومها من جملة التسع الأواقي المذكورة في حديث هشام ، ويؤيده قوله في رواية عمرة عن عائشة التي مضت في كتاب الصلاة في باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد فقال أهلها : إن شئت أعطيت ما بقي ، قوله : " دخلت عليها " أي على عائشة ، قوله : " تستعينها " جملة حالية ، قوله : " في كتابتها " أي في مال كتابتها ، قوله : " أواقي " جمع أوقية وهي أربعون درهما ، ويجوز في الجمع تشديد الياء وتخفيفها ، قوله : " نجمت " على صيغة المجهول صفة للأواقي ، قوله : " ونفست فيها " جملة حالية معترضة بين القول ومقوله ، وهو بكسر الفاء أي رغبت ، ومنه فليتنافس المتنافسون وإذا قيل : نفست به يكون معناه نحلت ، ونفست عليه الشيء نفاسة إذا لم تره له أهلا ، ونفست المرأة تنفس من باب علم يعلم إذا حاضت ، قوله : " أرأيت إن عددت لهم عدة واحدة " معنى " أرأيت " أخبريني ، ومعنى " عددت لهم " عددت الخمس أواقي ، وفي رواية عمرة عن عائشة : " إن أحب أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة وأعتقك " كذا في رواية الطحاوي ، قوله : " شروطا ليست في كتاب الله تعالى " أي ليست في حكم الله تعالى وقضائه في كتابه أو سنة رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ، قوله : " شرط الله أحق " قال الداودي : شرط الله ههنا أراه والله أعلم هو قوله تعالى فإخوانكم في الدين ومواليكم وقوله : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه وقال في موضع هو قوله : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وقوله تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه الآية ، وقال القاضي عياض : وعندي أن الأظهر هو ما أعلم به صلى الله عليه وسلم من قوله : " إنما الولاء لمن أعتق " ، و" مولى القوم منهم " ، و" الولاء لحمة كالنسب " ، وفي بعض الروايات : " كتاب الله أحق " يحتمل أن يريد حكمه ، ويحتمل أن يريد القرآن .

                                                                                                                                                                                  وفيه فوائد كثيرة : تكلم العلماء فيه كثيرا جدا لأنه روي بوجوه مختلفة ، وطرق متغايرة حتى إن محمد بن جرير صنف في فوائده مجلدا ، وقد ذكرنا أكثرها فيما مضى في كتاب الصلاة والزكاة والبيع وغيرها ، ومن أعظم فوائده ما احتج به قوم على فساد البيع بالشرط ، وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي ، وذهب قوم إلى أن البيع صحيح والشرط باطل ، وقد ذكرناه فيما مضى مفصلا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية