الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ ضمان إتلاف المال ]

المسألة الثانية : إتلاف المال ، فإن كان مما له حرمة كالحيوان والعبيد فليس له أن يتلف ماله كما أتلف ماله ، وإن لم تكن له حرمة كالثوب يشقه والإناء يكسره فالمشهور أنه ليس له أن يتلف عليه نظير ما أتلفه ، بل له القيمة ، أو المثل كما تقدم ، والقياس يقتضي أن له أن يفعل بنظير ما أتلفه عليه كما فعله الجاني به ، فيشق ثوبه كما شق ثوبه ، ويكسر عصاه كما كسر عصاه إذا كانا متساويين ، وهذا من العدل ، وليس مع من منعه نص ولا قياس ولا إجماع ، فإن هذا ليس بحرام لحق الله ، وليست حرمة المال أعظم من حرمة النفوس والأطراف ، وإذا مكنه الشارع أن يتلف طرفه بطرفه فتمكينه من إتلاف ماله في مقابلة ماله هو أولى وأحرى ، وأن حكمة القصاص من التشفي ودرك الغيظ لا تحصل إلا بذلك ، ولأنه قد يكون له غرض في أذاه وإتلاف ثيابه ويعطيه قيمتها ، ولا يشق ذلك عليه لكثرة ماله ، فيشفي نفسه منه بذلك ، ويبقى المجني عليه بغبنه وغيظه ، فكيف يقع إعطاؤه القيمة من شفاء غيظه ودرك ثأره وبرد قلبه وإذاقة الجاني من الأذى ما ذاق هو ؟

فحكمة هذه الشريعة الكاملة الباهرة وقياسها معا يأبى ذلك وقوله : { فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقوله : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقوله : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } يقتضي جواز ذلك ، وقد صرح الفقهاء بجواز إحراق زروع الكفار وقطع أشجارهم إذا كانوا يفعلون ذلك بنا وهذا عين المسألة ، وقد أقر الله - سبحانه - الصحابة على قطع نخل اليهود لما فيه من خزيهم ، وهذا يدل على أنه - سبحانه - يحب خزي الجاني الظالم ويشرعه ، وإذا جاز تحريق متاع الغال لكونه تعدى على المسلمين في خيانتهم في شيء من الغنيمة فلأن يحرق ماله إذا حرق مال المسلم المعصوم أولى وأحرى ، وإذا شرعت العقوبة المالية في حق الله الذي مسامحته به أكثر من استيفائه فلأن تشرع في حق العبد الشحيح أولى وأحرى ، ولأن الله - سبحانه - شرع القصاص زجرا للنفوس عن العدوان ، وكان من الممكن أن يوجب الدية استدراكا لظلامة المجني عليه بالمال ، ولكن ما شرعه أكمل وأصلح للعباد ، وأشفى لغيظ المجني عليه ، وأحفظ للنفوس والأطراف ، وإلا فمن كان في نفسه من الآخر من قتله أو قطع طرفه - قتله أو قطع طرفه وأعطى ديته ، والحكمة والرحمة والمصلحة تأبى ذلك ، وهذا بعينه موجود في العدوان على المال [ ص: 248 ]

فإن قيل : فهذا ينجبر بأن يعطيه نظير ما أتلفه عليه .

قيل : إذا رضي المجني عليه بذلك فهو كما لو رضي بدية طرفه ، فهذا هو محض القياس ، وبه قال الأحمدان أحمد بن حنبل وأحمد بن تيمية ، قال في رواية موسى بن سعيد : وصاحب الشيء يخير ، إن شاء شق الثوب ، وإن شاء أخذ مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية