الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم

هذا عتاب من الله تعالى بليغ، ذكر أن حالتهم التي وقع فيها جميعهم من تعاطيهم الحديث وإن لم يكن المخبر ولا المخبر مصدقين، ولكن نفس التعاطي والتلقي من لسان إلى لسان والإفاضة في الحديث هو الذي وقع العتاب فيه.

وقرأ محمد بن السميفع : "إذ تلقونه" بضم التاء وسكون اللام وضم القاف، ومن الإلقاء، وهذه قراءة بينة، وقرأ أبي بن كعب ، وابن مسعود : "إذ تتلقونه" من التلقي بتاءين، وقرأ جمهور السبعة: "إذ تلقونه" بحذف التاء الواحدة وإظهار الذال دون إدغام، وهو أيضا من التلقي، وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : "إذ تلقونه" بإدغام الذال في التاء، وقرأ ابن كثير : "إذ تلقونه" بإظهار الذال وإدغام التاء في التاء، وهذه قراءة قلقة لأنها تقتضي اجتماع ساكنين، وليس كالإدغام في قراءة من قرأ: "فلا تناجوا" "ولا تنابزوا" لأن لدونة الألف الساكنة وكونها حرف لين حسنت هنالك ما لا يحسن مع سكون الذال، وقرأ ابن يعمر وعائشة رضي الله عنها -وهي أعلم الناس بهذا الأمر-: "إذ تلقونه" بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف، ومعنى هذه القراءة من قول العرب : "ولق الرجل ولقا" إذا كذب، قال ابن سيده في "المحكم": قرئ: "إذ تلقونه"، وحكى أهل اللغة أنها من ولق إذا كذب، فجاؤوا بالمتعدي شاهدا على غير المتعدي، وعندي أنه أراد: إذ تلقون فيه، فحذف حرف الجر ووصل بالضمير، [ ص: 359 ] وحكى الطبري وغيره أن هذه اللفظة مأخوذة من الولق الذي هو إسراعك بالشيء بعد الشيء، كعدو في إثر عدو، وكلام في إثر كلام، يقال: ولق في سيره إذا أسرع، ومنه قول الشاعر:


جاءت به عنس من الشأم تلق

وقوله تعالى: وتقولون بأفواهكم مبالغة وإلزام وتأكيد، والضمير في قوله: "وتحسبونه" للحديث والخوض فيه والإذاعة له، وقوله تعالى: ولولا إذ سمعتموه إلى والله عليم حكيم عتاب لجميع المؤمنين، أي: كان ينبغي عليكم أن تنكروه ولا يتعاطاه بعضكم من بعض على جهة الحكاية والنقل، وأن تنزهوا الله تعالى عن أن يقع هذا من زوج نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن تحكموا على هذه المقالة بأنها بهتان، وحقيقة البهتان أن يقال في الإنسان ما ليس فيه، والغيبة أن يقال في الإنسان ما فيه. ثم وعظهم تعالى في العودة إلى مثل هذه الحالة، و "أن" مفعول من أجله بتقدير: "كراهية أن" ونحوه. وقوله: إن كنتم مؤمنين توقيف وتأكيد، كما تقول: ينبغي لك أن تفعل كذا وكذا إن كنت رجلا. وسائر الآية بين، و " عليم حكيم " صفتان تقتضيهما الآية.

التالي السابق


الخدمات العلمية