الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5332 - وعنه ، أنه بكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : شيء سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ، فذكرته ، فأبكاني ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أتخوف على أمتي من الشرك والشهوة الخفية " ، قال : قلت : يا رسول الله ! أتشرك أمتك من بعدك ؟ قال : " نعم ، أما إنهم لا يعبدون شمسا ، ولا قمرا ، ولا حجرا ، ولا وثنا ، ولكن يراؤون بأعمالهم ، والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائما ، فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه " . رواه البيهقي في ( شعب الإيمان ) .

التالي السابق


5332 - ( وعنه ) أي : عن شداد ( أنه بكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : شيء ) أي : يبكيني شيء ( سمعت ) أي : سمعته ( من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) فيه استعمال من على أصله ( يقول ) أي : حال كونه قائلا ، وفيه نوع من التأكيد ( فذكرته ) أي : المسموع أو المقول ( فأبكاني ) أي : فصار ذلك سببا لحزني وبكائي ، وفيه نوع من الإجمال ; ولذا استأنف بيانه فقال : ( سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقول : " أتخوف " قال الراغب : الخوف توقع أمر مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة ، والتخوف ظهور الخوف من الإنسان ، انتهى ، والظاهر أن التاء للمبالغة ، والمعنى أخاف خوفا كثيرا ( على أمتي الشرك ) أي : الخفي ، ويدل على صحة تقديرنا ما جاء في رواية : أخوف ما أخاف على أمتي الإشراك بالله . ( " والشهوة الخفية " ) .

أي التي لا يدركها إلا أصحاب الرياضات الرضية ، والمجاهدات القدسية ، والمخالفات النفسية . ( قال : قلت : يا رسول الله ! أتشرك ) : بالتذكير وتؤنث ( أمتك من بعدك ؟ قال : " نعم . أما " ) : بالتخفيف للتنبيه على أنه لا يريد به الشرك الجلي ( " إنهم لا يعبدون شمسا ولا قمرا ولا حجرا ولا وثنا " ) أي : ولا صنما ونحو ذلك ، فهو تعميم بعد تخصيص ( " ولكن يراؤون بأعمالهم " ) : وقد قال تعالى : فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا . ( " والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائما " ) ، أي : ناويا للصوم ( " فتعرض " ) : بكسر الراء مرفوعا ومنصوبا أي : فتظهر ( " له شهوة من شهواته " ) أي : كالأكل ، والجماع ، وغيرهما ، ذكره الطيبي - رحمه الله - . والأظهر أن المراد بالشهوة الخفية شهوة خاصة عزيزة الوجود من بين مشبهاته بحيث لا توجد في جميع أوقاته فيميل إليها بالطبع ، ولا يلاحظ مخالفته للشرع حيث قال تعالى : ولا تبطلوا أعمالكم والنقل يلزم بالشروع فيجب إتمامه ( " فيترك صومه " ) أي : وهو حرام عليه من غير ضرورة داعية إليه .

قال الطيبي - رحمه الله - : يعني إذا كان الرجل في طاعة من طاعات الله تعالى ، فتعرض له شهوة من شهوات نفسه ، يرجح جانب النفس على جانب الله تعالى ، فيتبع هوى نفسه فيؤديه ذلك إلى الهلاك والردى . قال تعالى فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى اهـ .

وفيه أن المراد بالهوى في الآية الشهوة الجلية ، وهي المحرمات والأمور المنهية ، ثم قال : وسمي خفيا لخفاء هلاكه أو مشاكله لقوله : الشرك ; لأن المراد منه الشرك الخفي بدلالة ما ذكر في الحديث الآتي ، انتهى . وفيه أنه لا يظهر وجه المشاكلة ، لا في الإطلاق ، ولا في التقييد بحسب المقابلة ، ( رواه أحمد ) أي : في مسنده ( والبيهقي في " شعب الإيمان " ) . قال ميرك : رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد ، وفي الجامع : الشهوة الخفية والرياء شرك . ورواه الطبراني عن شداد ، ورواه ابن ماجه عنه ، ولفظه : " إن أخوف ما أخاف على أمتي الإشراك بالله أما إني لست أقول : يعبدون شمسا ولا قمرا ولا وثنا ولكن أعمالا لغير الله وشهوة خفية " .

[ ص: 3342 ]



الخدمات العلمية