الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر خلع عيسى بن موسى وبيعة موسى الهادي

كان جماعة من بني هاشم وشيعة المهدي قد خاضوا في خلع عيسى بن موسى من ولاية العهد ، والبيعة لموسى الهادي بن المهدي ، فلما علم المهدي بذلك سره ، وكتب إلى عيسى بن موسى بالقدوم عليه ، وهو بقرية الرحبة ، من أعمال الكوفة .

فأحس عيسى بالذي يراد منه ، فامتنع من القدوم ، فاستعمل المهدي على الكوفة روح بن حاتم ، للإضرار به ، فلم يجد روح إلى الإضرار به سبيلا ، لأنه كان لا يقرب البلد إلا كل جمعة أو يوم عيد .

[ ص: 217 ] وألح المهدي عليه وقال له : إنك إن لم تجبني إلى أن تنخلع من ولاية العهد لموسى استحللت منك بمعصيتك ما يستحل من أهل المعاصي ، وإن أجبتني عوضتك ، فوجه إليه المهدي عمه العباس بن محمد برسالة وكتاب يستدعيه ، فلم يحضر معه .

فلما عاد العباس ، وجه المهدي إليه أبا هريرة محمد بن فروخ القائد في ألف من أصحابه ذوي البصائر في التشيع للمهدي ، وجعل مع كل واحد منهم طبلا ، وأمرهم أن يضربوا طبولهم جميعا عند قدومهم إليه ، فوصلوا سحرا ، وضربوا طبولهم ، فارتاع عيسى روعا شديدا ، ودخل عليه أبو هريرة ، وأمره بالشخوص معه . ( فاعتل بالشكوى ، فلم يقبل منه وأخذه معه ) .

فلما قدم عيسى بن موسى نزل دار محمد بن سليمان في عسكر المهدي فأقام أياما يختلف إلى المهدي ولا يكلم بشيء ، ولا يرى مكروها ، فحضر الدار يوما قبل جلوس المهدي فجلس في مقصورة للربيع ، وقد اجتمع شيعة رؤساء المهدي على خلعه ، فثاروا به وهو في المقصورة ، فأغلق الباب دونهم ، فضربوا الباب بالعمد حتى هشموه ( وشتموا عيسى أقبح الشتم ) وأظهر المهدي إنكارا لما فعلوه ، فلم يرجعوا ، فبقوا في ذلك أياما إلى أن كاشفه أكابر أهل بيته ، وكان أشدهم عليه محمد بن سليمان .

وألح عليه المهدي ، فأبى ، وذكر أن عليه أيمانا في أهله وماله ، فأحضر له من القضاة والفقهاء عدة ، منهم : محمد بن عبد الله بن علاثة ، ومسلم بن خالد الزنجي ، فأفتوه بما رأوا ، فأجاب إلى خلع نفسه ، فأعطاه المهدي عشرة آلاف ألف درهم ، وضياعا بالزاب وكسكر ، وخلع نفسه لأربع بقين من المحرم ، وبايع للمهدي ولابنه موسى الهادي .

ثم جلس المهدي من الغد ، وأحضر أهل بيته ، وأخذ بيعتهم ، ثم خرج إلى الجامع ، وعيسى معه ، فخطب الناس ، وأعلمهم بخلع عيسى والبيعة للهادي ، ودعاهم إلى البيعة ، فسارع الناس إليها ، وأشهد على عيسى بالخلع .

فقال بعض الشعراء :


كره الموت أبو موسى وقد كان في الموت نجاة وكرم     خلع الملك وأضحى ملبسا
ثوب لؤم ما ترى منه القدم

.

[ ص: 218 ] ( الرحبة بضم الراء قرية عند الكوفة ، وصبح : بضم الصاد المهملة ، وكسر الباء الموحدة ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية