الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا ( 23 ) إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا ( 24 ) )

                                                                                                                                                                                                    هذا إرشاد من الله لرسوله صلوات الله وسلامه عليه ، إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل ، أن يرد ذلك إلى مشيئة الله - عز وجل - علام الغيوب ، الذي يعلم ما كان وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه [ قال ] قال سليمان بن داود عليهما السلام : لأطوفن الليلة على [ ص: 149 ] سبعين امرأة - وفي رواية : تسعين امرأة . وفي رواية : مائة امرأة - تلد كل امرأة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله ، فقيل له - وفي رواية : فقال له الملك - قل : إن شاء الله . فلم يقل فطاف بهن فلم يلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، لو قال : " إن شاء الله " لم يحنث ، وكان دركا لحاجته " ، وفي رواية : " ولقاتلوا في سبيل الله فرسانا أجمعون

                                                                                                                                                                                                    وقد تقدم في أول السورة ذكر سبب نزول هذه الآية في قول النبي صلى الله عليه وسلم ، لما سئل عن قصة أصحاب الكهف : " غدا أجيبكم " . فتأخر الوحي خمسة عشر يوما ، وقد ذكرناه بطوله في أول السورة ، فأغنى عن إعادته .

                                                                                                                                                                                                    وقوله : ( واذكر ربك إذا نسيت ) قيل : معناه إذا نسيت الاستثناء ، فاستثن عند ذكرك له . قاله أبو العالية ، والحسن البصري .

                                                                                                                                                                                                    وقال هشيم ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في الرجل يحلف ؟ قال : له أن يستثني ولو إلى سنة ، وكان يقول : ( واذكر ربك إذا نسيت ) في ذلك . قيل للأعمش : سمعته عن مجاهد ؟ قال حدثني به ليث بن أبي سليم ، يرى ذهب كسائي هذا .

                                                                                                                                                                                                    ورواه الطبراني من حديث أبي معاوية ، عن الأعمش ، به .

                                                                                                                                                                                                    ومعنى قول ابن عباس : " أنه يستثني ولو بعد سنة " أي : إذا نسي أن يقول في حلفه أو كلامه " إن شاء الله " وذكر ولو بعد سنة ، فالسنة له أن يقول ذلك ، ليكون آتيا بسنة الاستثناء ، حتى ولو كان بعد الحنث ، قال ابن جرير ، رحمه الله ، ونص على ذلك ، لا أن يكون [ ذلك ] رافعا لحنث اليمين ومسقطا للكفارة . وهذا الذي قاله ابن جرير ، رحمه الله ، هو الصحيح ، وهو الأليق بحمل كلام ابن عباس عليه ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                    وقال عكرمة : ( واذكر ربك إذا نسيت ) أي : إذا غضبت . وهذا تفسير باللازم .

                                                                                                                                                                                                    وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني ، حدثنا سعيد بن سليمان ، عن عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس : ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت ) أن تقول : إن شاء الله [ وهذا تفسير باللازم ] .

                                                                                                                                                                                                    وقال الطبراني : حدثنا محمد بن الحارث الجبيلي حدثنا صفوان بن صالح ، حدثنا الوليد بن [ ص: 150 ] مسلم ، عن عبد العزيز بن حصين ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت ) أن تقول : إن شاء الله .

                                                                                                                                                                                                    وروى الطبراني ، أيضا عن ابن عباس في قوله : ( واذكر ربك إذا نسيت ) الاستثناء ، فاستثن إذا ذكرت . وقال : هي خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس لأحد منا أن يستثني إلا في صلة من يمينه ثم قال : تفرد به الوليد ، عن عبد العزيز بن الحصين .

                                                                                                                                                                                                    ويحتمل في الآية وجه آخر ، وهو أن يكون الله - عز وجل - قد أرشد من نسي الشيء في كلامه إلى ذكر الله تعالى ؛ لأن النسيان منشؤه من الشيطان ، كما قال فتى موسى : ( وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ) [ الكهف : 63 ] وذكر الله تعالى يطرد الشيطان ، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان ، فذكر الله سبب للذكر ؛ ولهذا قال : ( واذكر ربك إذا نسيت ) .

                                                                                                                                                                                                    وقوله : ( وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا ) أي : إذا سئلت عن شيء لا تعلمه ، فاسأل الله فيه ، وتوجه إليه في أن يوفقك للصواب والرشد [ في ذلك ] وقيل غير ذلك في تفسيره ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية