الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        إلا تنصروه فقد نصره الله [40]

                                                                                                                                                                                                                                        شرط ومجازاة ( إذ أخرجه الذين كفروا ) ظرف ( ثاني اثنين ) نصب على الحال أي أخرجوه منفردا من جميع الناس إلا من أبي بكر رضي الله عنه أي أحد اثنين ، قال علي بن سليمان : التقدير فخرج ثاني اثنين مثل والله أنبتكم من الأرض نباتا ( إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) فأشاد جل وعز بذكر أبي بكر رضي الله عنه ورفع قدره بخروجه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبذله نفسه ولو أراد أن يهاجر آمنا لفعل وقوله ( لا تحزن ) فيه معنى أمنه كما قال لا تخف إنك أنت الأعلى ، وقال في قصة لوط عليه السلام لا تخف ولا تحزن وفي قصة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لا تخف ، وقال ( إن الله معنا ) أي ينصرنا ويمنع منا فأوجب لأبي بكر رضي الله عنه بهذا التقى والإحسان كما قال جل وعز إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ( فأنـزل الله سكينته عليه ) القول عند أكثر أهل التفسير وأهل اللغة أن المعنى فأنزل الله سكينته على أبي بكر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم أنه معصوم والله جل وعز أمره بالخروج وأنه ينجيه والدليل على هذا أنه قال لأبي بكر ( لا تحزن إن الله معنا ) فسكن أبو بكر رضي الله عنه قال الله جل وعز فأنـزل الله سكينته عليه ومعنى الفاء في العربية أن يكون الثاني يتبع الأول فكما قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تحزن إن الله معنا سكن واطمأن وليس هذا مثل فأنـزل الله سكينته [ ص: 216 ] على رسوله وعلى المؤمنين لأن هذا في يوم حنين لما اضطرب المسلمون خاف النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد علم أنه في نفسه معصوم فلما أيد الله المؤمنين ورجعوا سكن النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك وزال خوفه الذي لحقه على المؤمنين ( وأيده بجنود لم تروها ) الهاء تعود على النبي - صلى الله عليه وسلم - فالضميران مختلفان وهذا كثير في القرآن وفي كلام العرب قال الله جل وعز أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ثم قال ( ألم يعلم بأن الله يرى ) ( وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ) أي وصفها بهذا ( وكلمة الله ) ابتداء ( هي العليا ) ابتداء وخبر والابتداء والخبر خبر الأول ويجوز أن يكون العليا الخبر وهي فاصلة ، وقرأ الحسن ويعقوب ( وكلمة الله ) بالنصب عطفا على الأول وزعم الفراء أن هذا بعيد قال لأنك تقول أعتق فلان غلام أبيه ولا تقول غلام أبي فلان ، وقال أبو حاتم نحوا من هذا قال كأن يكون وكلمته هي العليا ، قال أبو جعفر : الذي ذكره القراء لا يشبه الآية ولكن يشبهها ما أنشده سيبويه :


                                                                                                                                                                                                                                        لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا



                                                                                                                                                                                                                                        وهذا جيد حسن لأنه لا إشكال فيه ، بل يقول النحويون الحذاق إن في إعادة الذكر في مثل هذا فائدة وهي أن فيه معنى التعظيم قال الله جل وعز إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها فهذا لا إشكال فيه ( والله عزيز حكيم ) ابتداء وخبر .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية