الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1461 - ( 2 ) - قوله : الفيء مال يقسم خمسة أسهم متساوية ، ثم يؤخذ سهم فيقسم خمسة أسهم متساوية ، فتكون القسمة من خمسة وعشرين سهما ، هكذا كان يقسم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله : كانت أربعة أخماس الفيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم مضمومة إلى خمس الخمس ، فجملة ما كان له أحد وعشرون سهما من خمسة وعشرين سهما ، وكان يصرف الأخماس الأربعة إلى المصالح ، ثم قال في موضع آخر : وكان ينفق من سهمه على نفسه وأهله ومصالحه ، وما فضل جعله في السلاح عدة في سبيل الله وفي سائر المصالح ، ثم قال بعد أن قرر أن سهم النبي صلى الله عليه وسلم هو خمس الخمس : وإن هذا السهم كان له يعزل منه نفقة أهله إلى آخره .

قال : ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يملكه ولا ينتقل منه إلى غيره إرثا ، بل ما يملكه الأنبياء لا يورث عنهم . كما اشتهر في الخبر ، أما مصرف أربعة أخماس الفيء فبوب عليه البيهقي واستنبطه من حديث مالك بن أوس عن عمر ، وورد ما يخالفه ، ففي الأوسط للطبراني وتفسير ابن مردويه من حديث ابن عباس : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية قسموا خمس الغنيمة ، فضرب ذلك الخمس في خمسة ، ثم قرأ { واعلموا أنما غنمتم من [ ص: 214 ] شيء } }الآية فجعل سهم الله ، وسهم رسوله واحدا ، وسهم ذي القربى بينهم هو والذي قبله في الخيل والسلاح ، وجعل سهم اليتامى ، وسهم المساكين ، وسهم ابن السبيل لا يعطيه غيرهم ، وجعل الأربعة أسهم الباقية للفرس سهمان ، ولراكبه سهم ، وللراجل سهم . وروى أبو عبيد في الأموال نحوه .

وأما نفقته من سهمه على الوجه المشروح فمتفق عليه من حديث عمر قال : { كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، فكان ينفقه على نفسه وأهله نفقة سنة ، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله }. وأما قوله : { إنه كان يصرفه في سائر المصالح }. فهو بين في حديث عمر الطويل .

وأما كونه كان لا يملكه ; فلا أعرف من صرح به في الرواية ، وكأنه استنبط من كونه لا يورث عنه .

وأما حديث : { إن الأنبياء لا يورثون }. فمتفق عليه من حديث أبي بكر أنه صلى الله عليه وسلم قال : { لا نورث ما تركنا صدقة }. وللنسائي في أوائل [ ص: 215 ] الفرائض من السنن الكبرى : { إنا معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا صدقة }. وإسناده على شرط مسلم ، ورواه الطبراني في الأوسط من وجه آخر من طريق عبد الملك بن عمير عن الزهري بالسند المذكور ، ولفظه لفظ الباب ، ويستدل له أيضا بما رواه النسائي في سننه من ] حديث مالك ، عن قتيبة ، عنه ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : { أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر فيسألنه ميراثهن من رسول الله فقالت لهن عائشة : أليس قد قال رسول الله : لا يورث نبي ، ما تركنا صدقة }. لكن رواه في الفرائض من السنن الكبرى عن قتيبة بهذا الإسناد بلفظ { لا نورث ، ما تركنا صدقة }. ليس فيه : " نبي " فالله أعلم . وكذا هو في الصحيحين ، ورواه أحمد من طريق محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، { أن فاطمة قالت لأبي بكر : ما لنا لا نرث النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : سمعته يقول : إن النبي لا يورث }. وفي الصحيحين مثل حديث أبي بكر عن عمر أنه قال لعثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير ، وسعد ، وعلي والعباس : أنشدكم بالله - فذكره - وفيه : أنهم قالوا : نعم ، زاد النسائي : فيهم طلحة . وعندهما عن أبي هريرة : { لا يقتسم ورثتي دينارا ولا درهما ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي ، فهو صدقة }وأخرجه الحميدي في مسنده ، عن سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 216 ] { إنا معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة }. وذكر الدارقطني في العلل حديث الكلبي ، عن أبي صالح ، عن أم هانئ ، عن فاطمة أنها دخلت على أبي بكر فقالت : لو مت من كان يرثك ؟ قال : ولدي وأهلي . قالت : فما لنا لا نرث النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : سمعته يقول : { إن الأنبياء لا يورثون ، ما تركوه فهو صدقة }. وفي الباب عن حذيفة أخرجه أبو موسى في كتاب له اسمه براءة الصديق ، من طريق فضيل بن سليمان ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن ربعي عنه ، وهذا إسناد حسن .

( تنبيه ) :

نقل القرطبي وغيره اتفاق النقلة على أن قوله : { صدقة }بالرفع على أنه الخبر ، وحكى ابن مالك في توضيحه جواز النصب على أنها حال سدت مسد الخبر ، واستبعده غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية