الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 416 ] بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الفرقان

هذه السورة مكية في قول الجمهور، وقال الضحاك : هي مدنية، وفيها آيات مكية، قوله: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآيات.

قوله عز وجل:

تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا

"تبارك" وزنه تفاعل، وهو فعل مضارع. "بارك"، من البركة، و "بارك" فاعل من واحد، معناه: زاد، و "تبارك" فعل مختص بالله تعالى، لم يستعمل في غيره، ولذلك لم يصرف منه مستقبل، ولا اسم فاعل، وهو صفة فعل، أي: كثرت بركاته، ومن جملتها إنزال كتابه الذي هو الفرقان بين الحق والباطل. وصدر هذه الآية إنما هو رد على مقالات كانت لقريش ، فمن جملتها قولهم: "إن القرآن افتراه محمد ، وإنه ليس من عند الله"، فهو رد على هذه المقالات.

وقرأ الجمهور : "على عبده"، وقرأ عبد الله بن الزبير : "على عباده"، والضمير في قوله: "ليكون" يحتمل أن يكون لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو عبده المذكور، وهذا تأويل ابن [ ص: 417 ] زيد ، ويحتمل أن يكون للقرآن، وأما على قراءة ابن الزبير فهو للقرآن، لا يحتمل غير ذلك إلا بكره. وقوله تعالى: للعالمين عام في كل إنسي وجني، عاصره أو جاء بعده، وهو مؤيد من غير ما موضع من الحديث المتواتر وظاهر الآيات. و "النذير": المحذر من الشر، والرسول من عند الله نذير، وقد يكون نذيرا ليس برسول، كما روي في ذي القرنين ، وكما ورد في رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجن، فإنهم نذر وليسوا برسل.

وقوله تعالى: الذي له ملك السماوات والأرض الآية، هي من الرد على قريش في قولهم: "إن لله شريكا"، وفي قولهم: "اتخذ البنات"، وفي قولهم في التلبية: "إلا شريك هو لك". وقوله تعالى: وخلق كل شيء عام في كل مخلوق، وتقدير الأشياء هو حدها بالأمكنة والأزمان والمقادير والمصلحة والإتقان.

ثم عقب تعالى ذكر هذه الصفات التي هي للألوهية بالطعن على قريش في اتخاذهم آلهة ليست لهم هذه الصفات، فالعقل يعطي أنهم ليسوا بآلهة. وقوله تعالى: وهم يخلقون يحتمل أن يريد: يخلقهم الله بالاختراع والإيجاد، ويحتمل أن يريد: يخلقهم البشر بالنحت والنجارة، وهذا التأويل أشد إبداء لخساسة الأصنام، وخلق البشر يجوز، ولكن العرب تستعمله، ومنه قول زهير :


ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ـض القوم يخلق ثم لا يفري



وهذا من: خلقت الجلد، إذا عملت فيه رسوما يقطع عليها، فالفري هو أن يقطع على ترك الرسوم، وقوله تعالى: موتا ولا حياة يريد: إماتة ولا إحياء، و "النشور": بعث الناس من القبور.

التالي السابق


الخدمات العلمية