الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا

روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره أن كفار قريش قالوا في بعض معارضاتهم: لو كان هذا القرآن من عند الله تعالى لنزل جملة كما نزلت التوراة والإنجيل، وقوله: كذلك يحتمل أن يكون من قول الكفار، [ويحتمل أن يكون مستأنفا من كلام الله تبارك وتعالى لا من كلامهم]، وهو أولى، ومعناه: كما نزل أردناه، فالإشارة إلى نزوله متفرقا، وجعل الله تعالى السبب في نزوله متفرقا في الزمان تثبيت فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ، وليحفظه. وقال مكي ، والرماني : من حيث كان أميا لا يكتب، وليطابق الأسباب المؤقتة، فنزل في نيف وعشرين سنة، وكان غيره من الرسل يكتب فنزل جملة واحدة، وقرأ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ليثبت" بالياء، و "الترتيل": التفريق بين الشيء المتتابع، ومنه قولهم: بقر رتل ، ومنه ترتيل القراءة. وأراد الله تبارك وتعالى أن ينزل القرآن في النوازل والحوادث التي قدرها وقدر نزوله فيها.

ثم أخبر تعالى نبيه أن هؤلاء الكفرة لا يجيئون بمثل -يضربونه على جهة المعارضة- مبهم -كتمثيلهم في هذه بالتوراة والإنجيل- إلا جاء القرآن بالحق في ذلك، أي بالذي هو حق، ثم هو أحسن تفسيرا، أو أفصح بيانا وتفصيلا. ثم أوعد الله تعالى الكفار بما ينزل بهم يوم القيامة من الحشر على وجوههم إلى النار. وذهب الجمهور إلى أن هذا المشي على الوجوه حقيقة، وروي في ذلك -من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه- [ ص: 438 ] حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل: يا رسول الله، كيف يقدرون على المشي على وجوههم؟ قال: "إن الذي أقدرهم على المشي على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم وقالت فرقة: المشي على الوجوه استعارة للمذلة المفرطة والهوان والخزي، وقوله تعالى: شر مكانا القول فيه كالقول في قوله تعالى: خير مستقرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية