الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5519 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا يذهب الليل والنهار حتى يعبد اللات والعزى " . فقلت : يا رسول الله ! إن كنت لأظن حين أنزل الله : هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أن ذلك تاما قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ، ثم يبعث الله ريحا طيبة ، فتوفي كل من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ; فيبقى من لا خير فيه ، فيرجعون إلى دين آبائهم " . رواه مسلم .

التالي السابق


5519 - ( وعن عائشة قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا يذهب الليل والنهار " ) أي : لا تقوم الساعة ( حتى يعبد ) : بالتذكير وجوز تأنيثه ( اللات ) : صنم لثقيف ( والعزى ) : بضم عين فتشديد زاي صنم لغطفان ، ( فقلت : يا رسول الله ! إن كنت لأظن ) : إن هي المخففة من المثقلة واللام هي الفارقة . قال المظهر : تقديره أنه كنت لأظن يعني أن الشأن كنت لأحسب ( حين أنزل الله : هو الذي أرسل رسوله بالهدى ) أي : بالتوحيد ودين الحق أي : وبالشريعة الثابتة ، ولما كان مؤداهما واحدا أفرد الضمير في قوله : ليظهره أي : ليعليه ويغلبه على الدين كله أي : على الأديان جميعها ، باطلها بردها ، وحقها بنسخها ولو كره المشركون أي : ما عليه الموحدون المخلصون ( أن ذلك ) : بفتح الهمزة مفعول لأظن ، وحين أنزل الله : ظرف له ، أي : كنت أظن حين إنزال تلك الآية أن ذلك الحكم المذكور المستفاد منها يكون ( تاما ) أي : عاملا كاملا شاملا للأزمنة كلها ، فنصبه بالكون المقدر ، وفي نسخة صحيحة تام بالرفع ، والمعنى أن ما ذكر من عبادة الأصنام قد تم واختتم وغدا ، ولا يكون بعد ذلك أبدا .

[ ص: 3502 ] ( قال ) أي : النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ( إنه ) أي : الشأن ( سيكون من ذلك ) أي : بعض ما ذكر من تمام الدين ونقصان الكفر ، وأغرب شارح حيث قال : من ذلك أي : من عبادة الأصنام ، ( ما شاء الله ) أي : مدة مشيئته ، وبين ذلك بقوله : ( ثم يبعث الله ريحا طيبة ) أي : يشم منها رائحة الوصال ( فتوفى ) : بصيغة المجهول أي : فقبض ( كل من كان في قلبه ) ، وفي نسخة بصيغة الفاعل على أنه حذف منه إحدى التاءين أي : تتوفى على إسناد التوفي إلى الريح مجازا ، فيكون كل منصوبا على المفعولية ، والمعنى : تميت كل من كان في قلبه ( مثقال حبة ) أي : مقدار خردل ، فقوله : ( من خردل ) : بيان لحبة ، وقوله : ( من إيمان ) : بيان لمثقال ، والمراد منه أن يكون في قلبه من العقائد الدينية أقل ما يجب عليه من التصديق القلبي واليقين بالأمور الإجمالية ، فليس فيه دلالة على تصور الزيادة والنقصان في نفس الإيمان وحقيقة الإيقان ، كما لا يخفى على أهل العرفان ، ( فيبقى من لا خير فيه ) أي : لا إسلام ولا إيمان ، ولا قرآن ولا حج ، ولا سائر الأركان ، ولا علماء الأعيان ، ( فيرجعون إلى دين آبائهم ) أي : الأولين من المشركين الجاهلين الضالين المضلين ، فروعي لفظ من في ضمير فيه ، ومعناه في قوله : فيرجعون ، كما في قوله تعالى : ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين هذا ، وقال الطيبي - رحمه الله : قوله : تاما هو بالرفع في الحميدي على أنه خبر إن ، وفي صحيح مسلم وشرح النسائي بالنصب ، فعلى هذا هو إما حال ، والعامل اسم الإشارة ، والخبر محذوف ، أو خبر لكان المقدر أي : ظننت من مفهوم الآية أن ملة الإسلام ظاهرة على الأديان كلها غالبة عليها غير مغلوبة ، فكيف يعبد اللات والعزى ؟ وجوابه - صلى الله تعالى عليه وسلم - بقوله : فتوفى كل من كان في قلبه ، نظير قوله : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا الحديث . ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية