الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا

"ألم تر" معناه: انتبه، والرؤية هنا رؤية القلب، وأدغم عيسى بن عمر : "ربك كيف"، قال أبو حاتم : والبيان أحسن، و "مد الظل" بإطلاق، هو ما بين أول الإسفار إلى بزوغ الشمس، ومن بعد مغيبها مدة يسيرة، فإن في هذين الوقتين ظل ممدود على الأرض مع أنه نهار، وفي سائر أوقات النهار ظلال متقطعة، و "المد" و "القبض" مطرد فيها، وهو عندي المراد في الآية، والله أعلم.

ومن الظل الممدود ما ذكر الله تبارك وتعالى في هواء الجنة; لأنها لما كانت لا شمس فيها كان ظلها ممدودا أبدا.

وتظاهرت أقوال المفسرين على أن هذا الظل هو من الفجر إلى طلوع الشمس، وذلك معترض بأن ذلك في غير نهار، بل في بقايا الليل، فلا يقال له ظل.

وقوله تعالى: ولو شاء لجعله ساكنا أي ثابتا غير متحرك ولا منسوخ، ولكنه جعل الشمس ونسخها إياه وطردها له من موضع إلى موضع دليلا عليه مبينا لوجوده ولوجه العبرة فيه، وحكى الطبري أنه لولا الشمس لم يعلم أن الظل شيء; إذ الأشياء تعرف بأضدادها.

وقوله تعالى: قبضا يسيرا يحتمل أن يريد:، لطيفا، أي: شيئا بعد شيء في مرة واحدة لا بعنف، قال مجاهد : ويحتمل أن يريد: معجلا، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما، ويحتمل أن يريد: سهلا قريب التناول.

[ ص: 443 ] قال الطبري : ووصف الليل باللباس تشبيها من حيث يستر الأشياء ويغشاها. و "السبات" ضرب من الإغماء يعتري اليقظان مرضا فشبه النائم به، والسبت: الإقامة بالمكان، فكأن السبات سكون ما وثبوت عليه. و "النشور" في هذا الموضع الإحياء، شبه اليقظة به ليتطابق الإحياء مع الإماتة والتوفي اللذين يتضمنهما النوم والسبات، ويحتمل أن يريد بالنشور وقت انتشار وتفرق لطلب المعاش وابتغاء فضل الله، و النهار نشورا وما قبله من باب: ليل نائم ونهار صائم.

التالي السابق


الخدمات العلمية