الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : الذي خلقني فهو يهدين فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : الذي خلقني بنعمته فهو يهدين لطاعته .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : الذي خلقني لطاعته فهو يهديني لجنته ، فإن قيل فهذه صفة لجميع الخلق فكيف جعلها إبراهيم دليلا على هدايته ولم يهتد بها غيره؟

                                                                                                                                                                                                                                        قيل : إنما ذكرها احتجاجا على وجوب الطاعة ، لأن من أنعم وجب أن يطاع ولا يعصى ليلتزم غيره من الطاعة ما قد التزمها ، وهذا إلزام صحيح ثم فصل ذلك بتعديد نعمه عليه وعليهم فقال : والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين وهذا احتجاجا عليهم لموافقتهم له ثم قال : والذي يميتني ثم يحيين وهذا قاله استدلالا ولم يقله احتجاجا ، لأنهم خالفوه فيه ، فبين لهم أن ما وافقوه عليه موجب لما خالفوه فيه .

                                                                                                                                                                                                                                        وتجوز بعض المتعمقة في غوامض المعاني فعدل بذلك عن ظاهره إلى ما [ ص: 176 ] تدفعه بداهة العقول فتأول والذي هو يطعمني ويسقين أي يطعمني لذة الإيمان ويسقيني حلاوة القبول .

                                                                                                                                                                                                                                        وفي قوله : وإذا مرضت فهو يشفين وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : إذا مرضت بمخالفته شفاني برحمته .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : مرضت بمقاساة الخلق شفاني بمشاهدة الحق .

                                                                                                                                                                                                                                        وتأولوا قوله : والذي يميتني ثم يحيين على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : والذي يميتني بالمعاصي ويحييني بالطاعات .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : يميتني بالخوف ويحييني بالرجاء .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : يميتني بالطمع ويحييني بالقناعة . وهذه تأويلات تخرج عن حكم الاحتمال إلى جهة الاستطراف ، فلذلك ذكرناها وإن كان حذفها من كتابنا أولى .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية