الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويكره ) اللعب ( بشطرنج ) بفتح أوله وكسره معجما ومهملا ؛ لأنه يلهي عن الذكر والصلاة في أوقاتها الفاضلة بل كثيرا ما يستغرق فيه لاعبه حتى يخرج به عن وقتها وهو حينئذ فاسق غير معذور بنسيانه كما ذكره الأصحاب ، واستشكله الشيخان بما جوابه في الأم ولفظه فإن قيل [ ص: 217 ] فهو لا يترك وقتها للعب إلا وهو ناس قيل فلا يعود للعب الذي يورث النسيان فإن عاد له وقد جربه أنه يورثه ذلك فذلك استخفاف . ا هـ . وحاصله أن الغفلة نشأت من تعاطيه للفعل الذي من شأنه أن يلهي عن ذلك فكان كالمتعمد لتفويته ويجري ذلك في كل لهو ولعب مكروه مشغل للنفس ومؤثر فيها تأثيرا يستولي عليها حتى تشتغل به عن مصالحها الأخروية . قال بعضهم : بل يمكن أن يقال بذلك في شغل النفس بكل مباح ؛ لأنه كما يجب تعاطي مقدمات الواجب يجب تعاطي مقدمات ترك مفوتاته والكلام فيمن جرب من نفسه أن اشتغاله بذلك المباح يلهيه حتى يفوت به الوقت فاندفع ما قيل شغل النفس بالمباح يفجؤها ولا قدرة على دفعه وعلى هذه الحالة أو ما ينشأ عنه وفيه من السبب وغيره من المعاصي يحمل ما جاء في ذمه من الأحاديث والآثار الكثيرة ومن ثم قال بتحريمه الأئمة الثلاثة لكن قال الحفاظ : لم يثبت منها حديث من طريق صحيح ولا حسن وقد لعبه جماعة من أكابر الصحابة ومن لا يحصى من التابعين ومن بعدهم وممن كان يلعبه غبا سعيد بن جبير رضي الله عنه ونازع البلقيني في كراهته بأن قول الشافعي لا أحبه لا يقتضيها وقيدها الغزالي بما إذا لم يواظب عليه وإلا حرم والمعتمد أنه لا فرق نعم محلها إن لعب مع معتقد حله وإلا حرم كما رجحه السبكي والأذرعي والزركشي وغيرهم وهو ظاهر ؛ لأنه يعينه على معصية حتى في ظن الشافعي ؛ لأنا نعتقد أنه يلزمه العمل باعتقاد إمامه وإنما اعتبر القاضي اعتقاد نفسه دون الخصم ؛ لأنه ملزم على أنه لو نظر لاعتقاده الخصم تعطل القضاء ولأنه أعني الشافعي يلزمه الإنكار عليه لما مر أن من فعل ما يعتقد حرمته يجب الإنكار عليه ولو ممن يعتقد إباحته وبهذا يندفع ما وقع لبعضهم من النزاع في ذلك .

                                                                                                                              ( فإن شرط فيه مال من الجانبين فقمار محرم ) إجماعا بخلافه من أحدهما ليبذله إن غلب ويمسكه إن غلب فإنه ليس بقمار وإنما هو عقد مسابقة فاسدة ؛ لأنه على غير آلة قتال ، ومع كونه ليس قمارا هو محرم من جهة أن فيه تعاطي عقد فاسد وهو صغيرة لكن أخذ المال كبيرة ، وعبر بقمار محرم احترازا عن اعتراض الإمام على إطلاقهم التحريم بأن المحرم وهو ما اقترن بالشطرنج لا هو [ ص: 218 ] فإنه لا يتغير بذلك وترد الشهادة به إن اقترن به أخذ مال أو فحش أو داوم عليه . قال الماوردي : أو لعبه على الطريق قال غيره أو كان فيه صورة حيوان ومن ثم قال بعضهم يحرم اللعب بكل ما في آلته صورة محرمة

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 217 ] قوله : فلا يعود للعب الذي يورث النسيان ) فيه إشارة إلى أنه لا معصية في الأول من ذلك نعم إن علم أنه يؤدي للنسيان فالوجه تحريمه ( قوله : أو ما ينشأ عنه ) أي : الشطرنج ( قوله : ولأنه أعني الشافعي يلزمه الإنكار عليه ) فكيف يعينه على ما يلزمه الإنكار عليه فيه ( قوله : لكن أخذ المال كبيرة ) فيه دليل على أنه لا يجب أجرة المثل



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : بفتح أوله وكسره إلخ ) أنكر بعضهم فتحه أسنى . ( قوله : لأنه يلهي إلخ ) ؛ ولأن فيه صرف العمر إلى ما لا يجدي ؛ ولأن عليا رضي الله تعالى عنه مر بقوم يلعبون به فقال ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون أسنى . ( قوله : حتى تخرج ) أي الصلاة به أي لعب الشطرنج . ( قوله : واستشكله ) أي التفسيق بلعب الشطرنج المخرج للصلاة عن وقتها نسيانا . ( قوله : بما جوابه إلخ ) عبارة الأسنى بأن فيه تعصبة الغافل ، ثم قياسه الطرد في شغل النفس بغيره من المباحات وما استشكل به أجاب عنه الشافعي رضي الله تعالى عنه بأن في ذلك استخفافا من حيث إنه عاد إلخ ، وأما القياس المذكور فأجيب عنه بأن شغل النفس بالمباح إلخ وبأن ما شغلها به هنا مكروه وثم مباح . ا هـ .

                                                                                                                              وسيأتي في الشرح رد الجواب الأول . ( قوله : ولفظه فإن قيل إلخ ) صنيع كلام الأم أن الإثم والفسق موقوف على التجربة ، ومقتضى قول الشارح وحاصله إلخ ترتب الإثم والفسق على التوبة الأولى أيضا وقد يوجه الأول بأن ما ذكر ليس مطردا بل الناس متفاوتون فما لم يعلم الإنسان ذلك من نفسه فلا وجه لتأثيمه وتفسيقه فينبغي أن يناط الأمر بما يغلب على ظنه من حال نفسه بتجربة أو غيرها فليتأمل ، ثم رأيت قول الشارح الآتي في المباح والكلام إلخ وفيه تأييد لما ذكر فتدبر . ا هـ .

                                                                                                                              سيد عمر وسيأتي عن سم ما يوافقه وعن الروض والمغني ما يقتضي التكرر ، وعدم الفسق بالمرة [ ص: 217 ] الأولى مطلقا . ( قوله : لا يترك وقتها ) أي لا يفوته . ( قوله : فلا يعود للعب الذي يورث النسيان ) فيه إشارة إلى أنه لا معصية في الأول من ذلك نعم إن علم أنه يؤدي للنسيان فالوجه تحريمه سم وقوله نعم إلخ الموافق لما مر آنفا عن السيد عمر هو الأظهر فقول الروض مع شرحه والمغني وإن اقترن به فحش أو تأخير الفريضة عن وقتها عمدا وكذا سهوا للعب به وتكرر ذلك منه فحرام أيضا لما اقترن به ما ترد به الشهادة بخلاف ما إذا لم يتكرر . ا هـ .

                                                                                                                              الموافق لصنيع الأم وصريح الشارح ينبغي حمله على ما إذا لم يغلب على ظنه أنه يؤدي للنسيان والله أعلم ( قوله : للفعل الذي من شأنه إلخ ) أي بتجربته من نفسه أخذا مما مر ويأتي وتقدم عن السيد عمر وسم أن المدار على غلبة ظن ذلك ولو بغير تجربة . ( قوله : كالمتعمد لتفويته ) قضيته أنه يفسق بإخراج الصلاة عن وقتها مرة واحدة لكن نقل عن الشيخ عميرة أنه لا بد من تكرر ذلك وتوقف سم في ضابط التكرر رشيدي . ( قوله : ويجري ذلك ) أي ما تقدم عن الأصحاب . ( قوله : يجب تعاطي ترك مفوتاته ) إن أراد بعد دخول وقت الواجب فيرد عليه أن المدعي أعم وإن أراد مطلقا فيمنع بجواز النوم قبل دخول وقته وإن علم استغراقه الوقت . ( قوله : ما قيل شغل النفس إلخ ) أقره الأسنى كما مر آنفا . ( قوله : وعلى هذه الحالة ) أي المذكورة في قوله وكثيرا ما يستغرق فيه لاعبه إلخ . ( قوله : أو ما ينشأ عنه وفيه ) أي الشطرنج سم . ( قوله : في ذمه ) أي الشطرنج . ( قوله : والآثار الكثيرة ) منها ما مر عن سيدنا علي رضي الله تعالى عنه . ( قوله : لا يقتضيها ) أي فإنه يصدق على خلاف الأولى . ( قوله : والمعتمد أنه لا فرق ) أي وإن ردت الشهادة بالمواظبة كما يأتي آنفا لخرم المروءة بها كما يأتي في مبحثه . ( قوله : نعم ) إلى قوله وهو ظاهر في المغني وشرح المنهج والروض وإلى قوله وبهذا يندفع في النهاية . ( قوله : مع معتقد حله ) أي ولو مع الكراهة . ( قوله : وإلا ) أي بأن لعب مع معتقد تحريمه مغني . ( قوله : القاضي إلخ ) عبارة النهاية في الحاكم إلخ . ( قوله : تعطل القضاء ) لعله فيما اختلف فيه اعتقاد الخصمين ( قوله : يلزمه الإنكار عليه ) أي : فكيف يعينه على ما يلزمه الإنكار عليه فيه سم ( قول المتن فإن شرط فيه ) أي اللعب بالشطرنج مال من الجانبين أي : على أن من غلب من اللاعبين فله على الآخر كذا مغني ( قول المتن فقمار ) بكسر القاف اللعب الذي فيه تردد بين الغرم والغنم بجيرمي ( قول المتن فقمار محرم ) أي : ذلك الشرط أو المال كما يعلم مما يأتي رشيدي . ( قوله : إجماعا ) إلى قوله وهو صغيرة في المغني . ( قوله : بخلافه ) إلى المتن في النهاية ( قوله : بخلافه ) أي اشتراط المال . ( قوله : ليبذله إن غلب ) ببناء المفعول . ( قوله : وهو محرم ) أي : كالأول مغني وشرح المنهج . ( قوله : وهو صغيرة ) أي كما قبله نهاية عبارة المغني ولا ترد به الشهادة ؛ لأنه خطأ بتأويل . ا هـ .

                                                                                                                              قال ع ش نقل عن زواجر ابن حج أن تعاطي العقود الفاسدة كبيرة فليراجع . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : لكن أخذ المال كبيرة ) فيه دليل على أنه لا تجب أجرة المثل سم . ( قوله : وعبر بقمار محرم احترازا ) فيه تأمل بل التعبير المذكور ظاهر في موافقة إطلاقهم . ( قوله : ما اقترن بالشطرنج ) أي شرط المال لا هو أي الشطرنج . ( قوله : [ ص: 218 ] فإنه لا يتغير بذلك ) فيه وقفة . ( قوله : الشهادة به ) أي بلعب الشطرنج ( قوله : إن اقترن به أخذ مال ) أي : لما مر أنه كبيرة وقوله أو فحش أي ؛ لأنه حرام كما مر عن الروض والمغني وظاهر إطلاقهم هنا ولو كان قليلا ويأتي تقييد الفحش بالشعر بالإكثار وهو الظاهر هنا أيضا فليراجع وقوله أو داوم عليه وقوله أو لعبه إلخ أي لما يأتي أنهما يسقطان المروءة . ( قوله : أو لعبه على الطريق ) ظاهره وإن لم يكن اللاعب عظيما وينبغي أن محل ذلك حيث تكرر . ا هـ .

                                                                                                                              ع ش ويأتي في مبحث المروءة ما يقتضي أن التكرر ليس بشرط . ( قوله : على الطريق ) ويقاس به ما في معناه شرح المنهج أي : كالقهاوي بجيرمي . ( قوله : أو كان فيه صورة حيوان ) ظاهره وإن لم يتكرر اللعب به ويظهر أن محل ما قاله أخذا مما مر إذا لم تغلب طاعاته على معاصيه ، ثم رأيت في الأسنى ما يصرح به كما يأتي في مبحث الفحش بالشعر




                                                                                                                              الخدمات العلمية