الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  108 - وقال عفان: حدثنا صخر بن جويرية، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أراني أتسوك بسواك، فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبر، فدفعته إلى الأكبر منهما، قال أبو عبد الله : اختصره نعيم، عن ابن المبارك، عن أسامة، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أخرج البخاري هذا الحديث بلا رواية، ولكن وصله غيره، منهم أبو عوانة في صحيحه عن محمد بن إسحاق الصغاني، وغيره، عن عفان، وأخرجه أيضا أبو نعيم الأصبهاني، عن أبي أحمد، حدثنا موسى بن العباس الجويني، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عفان، وحدثنا أبو إسحاق، حدثنا عبد الله بن قحطبة، حدثنا نصر بن علي، حدثنا أبي، قالا: حدثنا صخر بن جويرية، وقال مسلم في صحيحه: حدثنا نصر بن علي، عن أبيه، عن صخر، والإسماعيلي من طريق وهب بن جرير، وسعيد بن حرب، قالا: حدثنا صخر بن جويرية، فذكره.

                                                                                                                                                                                  (بيان رجاله) وهم ثمانية: الأول عفان بن مسلم الصفار البصري الأنصاري أبو عثمان، سئل عن القرآن زمن المحنة فأبى أن يقول القرآن مخلوق، وكان من حكام الجرح والتعديل، جعل له عشرة آلاف دينار على أن يقف عن تعديل رجل، ولا يقول: عدل أو غير عدل، قالوا: قف فيه، ولا تقل شيئا، فقال: لا أبطل حقا من الحقوق، ولم يأخذها، مات ببغداد سنة عشرين ومائتين. الثاني: صخر بن جويرية، تصغير الجارية بالجيم، البصري أبو نافع التميمي الثقة. الثالث: نافع مولى ابن عمر القرشي العدوي تقدم في آخر كتاب العلم. الرابع: عبد الله بن عمر بن الخطاب . الخامس: أبو عبد الله هو البخاري نفسه. السادس: نعيم بضم النون ابن حماد المروزي الخزاعي الأعور، سكن مصر، قال أحمد : كنا نسميه الفارض، كان من أعلم الناس بالفرائض، وسئل عن القرآن فلم يجب بما أرادوه منه، فحبس بسامرا حتى مات في السجن سنة ثمان وعشرين ومائتين زمن خلافة أبي إسحاق بن هارون الرشيد . السابع: عبد الله بن المبارك تقدم في كتاب الوحي. الثامن: أسامة بن زيد الليثي بالمثلثة المدني، وقد تكلم فيه، ولهذا ذكره البخاري رحمه الله استشهادا، مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين.

                                                                                                                                                                                  (بيان لطائف الإسنادين) في الإسناد الأول التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، وفيه العنعنة في موضعين، وفي الثاني العنعنة في أربع مواضع، وفيه أن رواته ما بين مروزي، وبصري، ومدني.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) قوله: " أراني " بفتح الهمزة، أي: أرى نفسي، فالفاعل والمفعول عبارتان عن معبر واحد، وهذا من خصائص أفعال القلوب، قال الكرماني : وفي بعض النسخ بضم الهمزة، فمعناه: أظن نفسي، وقال بعضهم: ووهم من ضمها، قلت: ليس بوهم، والعبارتان تستعملان، وفي رواية المستملي "رآني" بتقديم الراء، والأول أشهر، وفي رواية مسلم من طريق علي بن نصر الجهضمي، عن صخر "أراني في المنام"، وفي رواية الإسماعيلي "رأيت في المنام"، فعلى هذا فهو من الرؤيا. [ ص: 187 ] قوله: " فقيل لي " القائل له جبريل عليه السلام. قوله: " كبر " أي قدم الأكبر في السن. قوله: " قال أبو عبد الله " أي البخاري . قوله: " اختصره نعيم " أي اختصر المتن نعيم، ومعنى الاختصار ها هنا أنه ذكر محصل الحديث، وحذف بعض مقدماته، ورواية نعيم هذه وصلها الطبراني في الأوسط عن بكر بن سهل عنه بلفظ: " أمرني جبريل عليه السلام أن أكبر "، وروى الإسماعيلي، عن القاسم بن زكريا، حدثنا الحسن بن عيسى، حدثنا ابن المبارك، أنبأنا أسامة، وحدثنا الحسن، حدثنا حبان، أنبأنا ابن المبارك، فذكره، وفيه قال: " إن جبريل عليه السلام أمرني أن أدفع إلى أكبرهم "، وأخرجه أحمد، والبيهقي بلفظ: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن، فأعطاه أكبر القوم، ثم قال: إن جبريل عليه السلام أمرني أن أكبره "، فإن قلت: هذا يقتضي أن تكون القضية وقعت في اليقظة، وتلك الرواية صريحة أنها كانت في المنام، فكيف التوفيق؟ قلت: التوفيق بينهما أن رواية اليقظة لما وقعت أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بما رآه في النوم، فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ آخرون، ومما يشهد له ما رواه أبو داود، حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا عنبسة بن عبد الواحد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن وعنده رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فأوحي إليه في فضل السواك أن كبر، أعط السواك أكبرهما " وإسناده صحيح.

                                                                                                                                                                                  (بيان استنباط الأحكام) فيه تقديم حق الأكابر من جماعة الحضور، وتبديته على من هو أصغر منه، وهو السنة أيضا في السلام، والتحية، والشراب، والطيب، ونحو ذلك من الأمور، وفي هذا المعنى تقديم ذي السن بالركوب وشبهه من الإرفاق، وفيه أن استعمال سواك الغير غير مكروه إلا أن السنة فيه أن يغسله ثم يستعمله، وفيه ما يدل على فضيلة السواك، وقال المهلب : تقديم ذي السن أولى في كل شيء ما لم يترتب القوم في الجلوس، فإذا ترتبوا فالسنة تقديم ذي الأيمن فالأيمن .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية