الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة [ رد الحديث بعمل أهل المدينة ] ولا يضره عمل أهل المدينة بخلافه خلافا لمالك ، ولهذا لم يقل بخيار المجلس مع أنه الراوي له . قال القرطبي : وإذا فسر عملهم بالمنقول تواترا [ ص: 254 ] كالأذان والإقامة والمد والصاع ، فينبغي أن لا يقع فيه خلاف ، لانعقاد الإجماع على أنه لا يعمل بالمظنون إذا عارضه قاطع . وقال الإبياري : هذا له صور : أحدها : أن يكون الخبر بلغهم ، فقد وافق الإمام على سقوط الخبر فيه . وثانيها : أن يثبت عندنا أنه لم يبلغهم ، فلا يحل لأحد في مثل هذه الصورة أن يترك الخبر ، وهو لو بلغهم لما خالفوه . وثالثها : أن نجد عملهم على خلاف الخبر ، ولم يتحقق البلوغ ولا انتفاؤه ، فالظاهر من قول مالك أن الخبر متروك بناء منه على أن الغالب أن الخبر لا يخفى عليهم ، لقرب ديارهم في زمانهم ، وكثرة بحثهم ، وشدة اعتنائهم بحفظ أدلة الشرع ، فيقع في قسم ما إذا ظننا بلوغ الخبر ، ولم نقطع به . وقد اخترنا في هذه الصورة سقوط التمسك بالخبر ، ولزوم التمسك بالفعل ، على أن هذه المسألة اختلف فيها قول مالك ، وروى حديث { البينة على المدعي واليمين على من أنكر } .

                                                      وقال الفقهاء السبعة : لا يتوجه اليمين إلا بمعاملة أو مخالطة ، وهذا مشهور مذهب مالك ، وله قول آخر في تعميم موجب اليمين على حسب ما اقتضاه الظاهر . وقال إمام الحرمين في باب التراجيح : إن تحقق بلوغه لهم ، وخالفوه [ ص: 255 ] مع العلم به دل على نسخه ، وليس ذلك تقديما لأقضيتهم على الخبر ، بل هو تمسك بالإجماع على وجوب حمله على وجه ممكن من الصواب ، فكان تعلقا بالإجماع في معارضة الحديث ، وإن لم يبلغهم أو غلب على الظن أنه لم يبلغهم ، فالتعلق حينئذ واجب ، وظني بدقة نظر الشافعي في أصول الشريعة أنه يقدم الخبر في مثل هذه الصورة . وإن غلب على الظن أنه بلغهم وتحققنا مخالفة عملهم له ، فهذا مقام التوقف ، فإن لم نجد في الواقعة سوى الخبر والأقضية تعلقنا بالخبر ، وإن وجدنا غيره تعين التعلق به . قال : ومن بديع ما ينبغي أن يتنبه له أن مذاهب أئمة الصحابة إذا نقلت من غير إجماع لا يتعلق بها ، فإذا نقلت في معارضة خبر نص على المخالفة تعلقنا بها ، وليس هو في الحقيقة تعلق بالمذاهب ، بل بما صدرت عنه مذاهبهم . قال : وما ذكرناه في أئمة الصحابة يطرد في أئمة التابعين ، وفي أئمة كل عصر ما لم يوقف على خبر .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية