الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل )

                                                                                                                              في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك وهي أعني الشهادة تطلق على نفس تحملها وعلى نفس أدائها وعلى المشهود به وهو المراد في قوله ( تحمل الشهادة ) مصدر بمعنى المفعول أي : الإحاطة بما سيطلب منه الشهادة به فيه وكنوا عن تلك الإحاطة بالتحمل إشارة إلى أن الشهادة من أعلى الأمانات التي يحتاج حملها أي : الدخول تحت ورطتها إلى مشقة وكلفة ففيه مجازان لاستعمال التحمل والشهادة في غير معناهما الحقيقي ( فرض كفاية في النكاح ) لتوقف انعقاده عليه ولو امتنع الكل أثموا ولو طلب من اثنين لم يتعينا إن كان ثم غيرهما أي : بصفة الشهادة قال الأذرعي : وظن إجابة الغير وإلا تعينا ( وكذا الإقرار والتصرف المالي ) وغيره كطلاق وعتق ورجعة وغيرها إلا لحدود التحمل فيه فرض كفاية ( وكتابة ) بالرفع عطفا على تحمل ( الصك ) في الجملة وهو الكتاب فرض كفاية أيضا ( في الأصح ) [ ص: 268 ] للحاجة إليهما لتمهيد إثبات الحقوق عند التنازع وكتابة الصك لها أثر ظاهر في التذكر وفيها حفظ الحقوق عن الضياع وقيدت بالجملة لما مر أنه لا يلزم القاضي أن يكتب للخصم ما ثبت عنده أو حكم به .

                                                                                                                              ويظهر أن المشهود له أو عليه لو طلب من الشاهدين كتابة ما جرى تعين عليهما لكن بأجرة المثل كالأداء وإلا لم يبق لكون كتابة الصك فرض كفاية أثر ويفرق بينهما وبين القاضي بأن الشهادة عليه تغني عن كتابته ولا كذلك هنا قال ابن أبي الدم : ويسن للشاهد أن يبجل القاضي ويزيد في ألقابه أي : بالحق لا الكذب كما هو الشائع اليوم ؛ والدعاء له بنحو أطال الله بقاءك ا هـ وما ذكره آخرا ليس في محله بل هو مكروه مطلقا ولا يلزمه الذهاب للتحمل إن كان غير مقبول الشهادة مطلقا وكذا مقبولها إلا إن عذر المشهود عليه بنحو مرض أو حبس أو كان مخدرة أو دعاه قاض إلى أمر ثبت عنده ليشهده عليه قال الدارمي أو دعا الزوج أربعة إلى الشهادة بزنا زوجته بخلاف دون أربعة وبخلاف دعاء غير الزوج ، قال البلقيني نقلا عن جمع : أو لم يكن هناك ممن يقبل غيرهم وقدم هذه في السير [ ص: 269 ] إجمالا فلا تكرار

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل : تحمل الشهادة فرض كفاية إلخ ) . ( قوله : وهو المراد إلخ ) أقول : لا مانع من صحة إرادة الأداء [ ص: 268 ] ومعنى تحمله التزامه ثم رأيت شيخنا الشهاب البرلسي قال أقول : بل المراد الأول يعني به الأداء الذي هو الثاني في كلام الشارح ؛ لأنه لا معنى لتحمل المشهود به إلا بتأويل تحمل حفظه أو أدائه ا هـ . ( قوله : بل هو مكروه ) في الروض وشرحه في باب السير ما نصه وأما الطلبقة أي : التحية بها وهي أطال الله بقاءك فقيل بكراهتها قال الأذرعي وفيه نظر بل ينبغي أن يقال : إن كان من أهل الدين أو العلم أو من ولاة العدل فالدعاء له بذلك قربة وإلا فمكروه بل حرام وكلام ابن أبي الدم يشير إلى ما قاله ا هـ . وفيهما في باب القضاء في بيان ما يدعى به للسلطان إذا تعلقت الفتوى به ما نصه ويكره أطال الله بقاءه فليست من ألفاظ السلف ا هـ . ( قوله : إلا إن عذرا إلخ ) عبارة العباب فالتحمل في عقد النكاح وكذا كل تصرف مالي فرض كفاية إن حضر ذلك أو دعي للتحمل عن معذور أو مخدرة أو عن قاض في حكمه ا هـ . ( قوله : أو لم يكن هناك ممن يقبل غيرهم ) ظاهر صنيعه أنه [ ص: 269 ] حينئذ يلزمه الذهاب للتحمل مطلقا وفيه نظر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك ) ( قوله : في تحمل الشهادة ) إلى قوله أي : الإحاطة في النهاية والمغني وشرح المنهج . ( قوله : وأدائها ) إنما قدمه على كتابة الصك في الذكر لمناسبته للتحمل وقدم المصنف الكتابة على الأداء في بيان الحكم لأنها تطلب بعد التحمل للتوثق به ع ش . ( قوله : وعلى المشهود به ) أي : إطلاقا مجازيا كما يأتي ع ش . ( قوله : وهو المراد إلخ ) أقول لا مانع من صحة إرادة الأداء ومعنى تحمله التزامه ثم رأيت شيخنا الشهاب البرلسي قال أقول بل المراد الثاني ؛ لأنه لا معنى لتحمل المشهود به إلا بتأويل تحمل حفظه أو أدائه سم وسيد عمر أقول يؤيد إرادة الثالث أن المفروض كفاية إنما هو إحاطة المشهود به لا التزام الأداء المسبب عنها كما هو ظاهر . ثم رأيت قال الرشيدي بعد ذكره مقالة الشهاب عميرة البرلسي ومقالة سم ما نصه قد يستبعد ما ذكره الشيخ عميرة في النكاح فتأمل ا هـ . ( قوله : فيه ) لا تظهر له فائدة . ( قوله : أن الشهادة ) أي : بالمعنى الثالث . ( قوله : ففيه مجازان إلخ ) أي : في المضاف مجاز بالاستعارة وفي المضاف إليه مجاز مرسل . ( قول المتن في النكاح ) أي : وغيره مما يجب فيه الإشهاد شرح المنهج ومغني أي : كبيع مال الصبي أو المجنون أو المحجور عليه بفلس إذا كان الثمن مؤجلا وبيع الوكيل المشروط عليه الإشهاد ع ش ا هـ بجيرمي . ( قوله : لتوقف انعقاده ) إلى قوله ويظهر في النهاية وكذا في المغني إلا قوله قال الأذرعي إلى المتن وقوله : التحمل إلى المتن وقوله : بالرفع إلى المتن . ( قوله : وإلا ) أي : بأن لم يكن ثم غيرهما بصفة الشهادة أو ظن إباءه أو لم يظن شيء . ( قوله : وغيره ) أي : غير المالي . ( قوله : إلا الحدود ) لأنها تدرأ بالشبهات مغني أي : فليس التحمل فيها فرض كفاية ولم يذكر حكمها هل هو جائز أو مستحب والأقرب الأول لطلب الستر في أسبابها ع ش . ( قوله : التحمل إلخ ) الأولى حذفه هنا وتقديره فيما يأتي آنفا . ( قوله : فيه ) أي : في كل منها مغني .

                                                                                                                              ( قوله : بالرفع عطفا على تحمل ) [ ص: 268 ] لا يظهر وجه هذا العطف من حيث النحو وصريح صنيع المصنف أنه معطوف على الإقرار فيقدر في الكل التحمل كما جرى عليه المحلي والمغني عبارة الثاني وكذا الإقرار والتصرف المالي وغيره كطلاق وعتق ورجعة وكتابة الصك وهو الكتاب فالتحمل في كل منها فرض كفاية ا هـ . ( قوله : للحاجة إليهما ) أي : التحمل والكتابة وغير الشارح جعل الحاجة علة للتحمل فقط عبارة شرح المنهج ونحوها في المغني والنهاية أما فرضية التحمل في ذلك فللحاجة إلى إثباته عند التنازع إلخ ، وأما فرضية كتابة الصك فلأنها لا يستغنى عنها في حفظ الحق ولها أثر إلخ . ( قوله : لما مر ) أي : في آداب القضاء . ( قوله : أنه لا يلزم القاضي أن يكتب إلخ ) المنفي هو الوجوب العيني فلا ينافي ما هنا من الوجوب على الكفاية زيادي . ( قوله : تعين ) الظاهر التأنيث . ( قوله : لكن بأجرة مثل إلخ ) عبارة المغني وشرح المنهج ولا يلزم الشاهد كتابة الصك ورسم الشهادة إلا بأجرة فله أخذها كما له ذلك في تحمله إذا دعي له ا هـ . ( قوله : وإلا ) أي : وإن لم تتعين . ( قوله : بأن الشهادة عليه ) يعني بأن وجوب إشهاد القاضي على ما ثبت عنده أو حكم به بشرطه المار في آداب القاضي . ( قوله : ويسن ) إلى المتن في النهاية إلا قوله لا الكذب إلى بل هو وقوله : قال الدارمي وقوله : إلا إن كان متذكرا إلى وقد دعي . ( قوله : أن يبجل القاضي ) أي : في الأداء أسنى . ( قوله : كما هو ) أي : الكذب .

                                                                                                                              ( قوله : والدعاء إلخ ) لك أن تقول يجوز أن يكون قوله : والدعاء معطوفا على الكذب سيد عمر أقول يأبى عنه كون التفسير المذكور من الشارح كما هو الظاهر ويصرح به صنيع الأسنى حيث ذكر هنا كلام ابن أبي الدم المذكور وأقره مسقطا عنه التفسير المذكور . ( قوله : وما ذكره آخرا ) أي : قوله : والدعاء له بنحو إلخ . ( قوله : بل هو مكروه ) وفاقا للنهاية وللأسنى في باب القضاء . ( قوله : مطلقا ) أي : سواء كان القاضي من أهل الدين أو العلم أو من ولاة العدل أم لا . ( قوله : ولا يلزمه ) إلى قوله قال الدارمي في المغني . ( قوله : مطلقا ) أي : عن مفهوم الاستثناء الآتي آنفا . ( قوله : قال الدارمي أو دعا الزوج أربعة إلخ ) أي : وعلى هذا تستثنى هذه من عدم وجوب التحمل في الحدود ع ش . ( قوله : أو لم يكن هناك ممن يقبل إلخ ) ظاهر صنيعه أنه حينئذ يلزمه الذهاب للتحمل مطلقا وفيه نظر . عبارة العباب فالتحمل في عقد النكاح وكذا كل تصرف مالي ؛ فرض كفاية إن حضر أو دعي للتحمل عن معذور أو مخدرة أو عن قاض في حكمه انتهت ا هـ . سم عبارة المغني ثم على فرضية التحمل من طلب منه لزمه إذا كان مستجمعا لشرائط العدالة معتقدا لصحة ما يتحمله وحضره فإن لم يكن مستجمعا للشروط فلا وجوب قال القاضي جزما أو دعي للتحمل فلا وجوب إلا أن يكون الداعي معذورا بمرض إلخ فتلزمه الإجابة قال البلقيني ومحل كون التحمل فرض كفاية إذا كان المتحملون كثيرين فإن لم يوجد إلا العدد المعتبر في الحكم فهو فرض عين كما جزم به الشيخ أبو حامد والماوردي وغيرهما وهو واضح جار على القواعد وفي كلام الشافعي ما يقتضيه انتهى ا هـ . وعبارة الرشيدي قوله : أو لم يكن ثم من يقبل غيره أي : وإن لم يكن المشهود عليه معذورا كما هو قضية السياق وفيه وقفة ثم رأيت الأذرعي قال ينبغي حمله على ما إذا دعا المشهود له المشهود عليه فأبى الحضور قال أما إذا أجابه للحضور ولا عذر لواحد منهما فلا معنى لإلزام الشهود السعي للتحمل ا هـ . ( قوله : ممن يقبل ) ببناء المفعول . ( قوله : وقدم هذه ) أي : مسألة تحمل الشهادة . ( قوله : فلا تكرار ) فيه تأمل




                                                                                                                              الخدمات العلمية