الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 3199 ] هذا حال الأسرى إن آمنوا واستبدلوا بالكفر إيمانا، والأكثرون منهم كانوا كذلك، ومنهم من خانوا ما عاهدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن عاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على ألا يدعو الجموع ضده، فمن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير فداء، فعاد ورفع عقيرته بالدعوة ضد النبي - صلى الله عليه وسلم - وألب الناس عليه داعيا لأخذ الثأر; ولذا قال: وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم .

                                                          الزمخشري : لا يعد الضمير يعود على الكفار الذين يخونون العهود في المستقبل، والذين خانوا عهد الله بارتدادهم، ويذكر أنه ربما يعود على الأسرى الذين عاهدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن يكفوا ألسنتهم عنه فلم يكفوها وألبوا الناس، وهؤلاء خانوا.

                                                          ويلاحظ أن الله تعالى يقول: وإن يريدوا خيانتك أي وسوست لهم شياطينهم بالخيانة وأرادوها، فإن أرادوها فخذ حذرك ولا تأس عليهم، فقد خانوا الله تعالى وكفروا به وأشركوا به الأوثان وهموا أن يقتلوك، فأمكن الله تعالى أهل الإيمان منهم، وأعلنوا بذلك كلمة الحق والإيمان.

                                                          وإن مضمون النص يجعلني أميل إلى أن الضمير لا يعود على الأسرى، ولا يعود على من ذكر الإيمان وردده من المشركين وأظهروا أنهم يريدونه تقربا للمسلمين.

                                                          وإنما أميل إلى الذين جنحوا للسلم، وأمر الله نبيه أن يجنح ولا يمنعه أن يحاولوا خديعته; لأن الله حسبه، وفي هذه الآية بين الله تعالى لنبيه أنه يجب أن يستمر غير ملتفت لهم إن أرادوا خيانة بعد أن جنحوا للسلم، ولكن أرادوا خيانتك، وألا يهتم لخيانتهم في ذاتها، وألا يأسى على خيانتهم بعد أن جنحوا للسلم، والله تعالى ينبه نبيه بأنهم إن أرادوا خيانتك بأن هموا بالانقضاض على المؤمنين - فإنهم قوم من طبعهم الخيانة، فقد خانوا الله تعالى من قبل بأن عبدوا الأحجار والأوثان وهموا بأن يقتلوا الرسول، أو يحبسوه أو يخرجوه، وخانوا الله [ ص: 3200 ] تعالى بخيانة أهله، فلا تأس عليهم، والله من ورائهم محيط; ولذا ختم سبحانه الآية الكريمة بقوله: والله عليم حكيم أي: عليم بخبايا نفوسهم، وما تحدثهم به خواطرهم، وبنزعات نفوسهم، وقد رتب لهم سبحانه ما يصلح لهم بمقتضى علمه وحكمته، فهو حكم من يضع الأمور في مواضعها، ويدبر لك بحكمته، فلا تخش وبالهم، والعاقبة للمتقين.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية