الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى ؛ قد شرحنا معنى " اليهود " ؛ و " النصارى " ؛ و " ترضى " ؛ يقال في مصدره " رضي؛ يرضى؛ رضا؛ ومرضاة؛ ورضوانا؛ ورضوانا " ؛ ويروى عن عاصم في كل ما في القرآن من " رضوان " ؛ الوجهان جميعا؛ فأما ما يرويه عنه أبو عمرو ف " رضوان " ؛ بالكسر؛ وما يرويه أبو بكر بن عياش ف " رضوان " ؛ والمصادر تأتي على " فعلان " ؛ و " فعلان " ؛ فأما " فعلان " ؛ فقولك: " عرفته عرفانا " ؛ و " حسبته حسبانا " ؛ وأما " فعلان " ؛ كقولك: " غفرانك؛ لا كفرانك. " وقوله - عز وجل -: حتى تتبع ملتهم ؛ " تتبع " ؛ نصب ب " حتى " ؛ والخليل ؛ وسيبويه ؛ وجميع من يوثق بعلمه؛ يقولون: إن الناصب للفعل بعد " حتى " : " أن " ؛ إلا أنها لا تظهر مع " حتى " ؛ ودليلهم أن " حتى " ؛ غير ناصبة؛ هو أن " حتى " ؛ بإجماع خافضة؛ قال الله - عز وجل -: سلام هي حتى مطلع الفجر ؛ فخفض " مطلع " ؛ ب " حتى " ؛ ولا نعرف في العربية أن ما يعمل في اسم؛ يعمل في فعل؛ ولا ما يكون خافضا لاسم يكون ناصبا لفعل؛ فقد بان أن " حتى " ؛ لا تكون ناصبة؛ كما أنك إذا قلت: " جاء زيد ليضربك " ؛ فالمعنى: " جاء زيد لأن يضربك " ؛ لأن اللام خافضة للاسم؛ ولا تكون ناصبة للفعل؛ وكذلك " ما كان زيد ليضربك " ؛ اللام خافضة؛ والناصب ل " يضربك " : " أن " ؛ المضمرة؛ ولا يجوز إظهارها مع هذه اللام؛ وإنما لم يجز لأنها جواب لما يكون مع الفعل؛ وهو [ ص: 202 ] حرف واحد؛ يقول القائل: " سيضربك " ؛ و " سوف يضربك " ؛ فجعل الجواب في النفي بحرف واحد؛ كما كان في الإيجاب بشيء واحد؛ ونصب " ملتهم " ؛ ب " تتبع " ؛ ومعنى " ملتهم " ؛ في اللغة: سنتهم؛ وطريقتهم؛ ومن هذا " الملة " ؛ أي: الموضع الذي يختبز فيه؛ لأنها تؤثر في مكانها؛ كما يؤثر في الطريق؛ وكلام العرب إذا اتفق لفظه؛ فأكثره مشتق بعضه من بعض؛ وآخذ بعضه برقاب بعض. وقوله - عز وجل -: إن هدى الله هو الهدى ؛ أي: الصراط الذي دعا إليه؛ وهدى إليه؛ هو الطريق؛ أي: طريق الحق. وقوله - عز وجل -: ولئن اتبعت أهواءهم ؛ إنما جمع؛ ولم يقل: " هواهم " ؛ لأن جميع الفرق؛ ممن خالف النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لم يكن ليرضيهم منه إلا اتباع هواهم؛ وجمع " هوى " ؛ على: " أهواء " ؛ كما يقال: " جمل " ؛ و " أجمال " ؛ و " قتب " ؛ و " أقتاب " . وقوله - عز وجل -: ما لك من الله من ولي ولا نصير ؛ الخفض في " نصير " ؛ القراءة المجمع عليها؛ ولو قرئ: " ولا نصير " ؛ بالرفع؛ كان جائزا؛ لأن معنى " من ولي " : " ما لك من الله ولي ولا نصير " ؛ ومعنى الآية أن الكفار كانوا يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - الهدنة؛ ويرون أنه إن هادنهم؛ وأمهلهم؛ أسلموا؛ فأعلم الله - عز وجل - أنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم؛ فنهاه الله؛ ووعظه في الركون إلى شيء مما يدعون إليه؛

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية