الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أحوال المقسم عليه

1- المقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه ، فلا بد أن يكون مما يحسن فيه ذلك ، كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها .

2- وجواب القسم يذكر تارة -وهو الغالب- وتارة يحذف ، كما يحذف جواب " لو " كثيرا ، كقوله : كلا لو تعلمون علم اليقين ، وحذف مثل هذا من أحسن الأساليب ; لأنه يدل على التفخيم والتعظيم ، فالتقدير مثلا : لو تعلمون ما بين أيديكم علم الأمر اليقين لفعلتم ما لا يوصف من الخير ، فحذف جواب القسم كقوله : والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر ، فالمراد بالقسم أن الزمان المتضمن لمثل هذه الأعمال أهل أن يقسم الرب عز وجل به . فلا يحتاج إلى جواب ، وقيل : الجواب محذوف ، أي : لتعذبن يا كفار مكة ، وقيل : مذكور ، وهو قوله : إن ربك لبالمرصاد ، والصحيح المناسب أنه لا يحتاج إلى جواب .

وقد يحذف الجواب لدلالة المذكور عليه ، كقوله تعالى : لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ، فجواب القسم محذوف دل عليه قوله بعد : أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه . . . إلخ ، والتقدير ، لتبعثن ولتحاسبن .

3- والماضي المثبت المتصرف الذي لم يتقدم معموله إذا وقع جوابا للقسم تلزمه اللام و " قد " ، ولا يجوز الاقتصار على إحداهما إلا عند طول الكلام . كقوله تعالى : والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها [ ص: 289 ] والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها ، فجواب القسم : قد أفلح من زكاها حذفت من اللام لطول الكلام .

ولذلك قالوا في قوله تعالى : والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود قتل أصحاب الأخدود : إن الأحسن أن يكون هذا القسم مستغنيا عن الجواب ; لأن القصد التنبيه على المقسم به ، وأنه من آيات الرب العظيمة ، وقيل : الجواب محذوف دل عليه : قتل أصحاب الأخدود أي إنهم ملعونون ، يعني كفار مكة كما لعن أصحاب الأخدود ، وقيل : حذف صدره ، وتقديره : لقد قتل ; لأن الفعل الماضي إذا وقع جوابا للقسم تلزمه اللام و " قد " ، ولا يجوز الاقتصار على إحداهما إلا عند طول الكلام ، كما سبق في قوله تعالى : والشمس وضحاها ، قد أفلح من زكاها .

4- ويقسم الله على أصول الإيمان التي يجب على الخلق معرفتها فتارة يقسم على التوحيد كقوله : والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا إن إلهكم لواحد .

وتارة يقسم على أن القرآن حق كقوله تعالى : فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم .

وتارة على أن الرسول حق كقوله : يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين .

وتارة على الجزاء والوعد والوعيد : كقوله : والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع .

[ ص: 290 ] وتارة على حال الإنسان ، كقوله : والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى .

والمتتبع لأقسام القرآن يستخلص الفنون الكثيرة .

5- والقسم إما على جملة خبرية -وهو الغالب- كقوله تعالى : فورب السماء والأرض إنه لحق ، وإما على جملة طلبية في المعنى كقوله تعالى : فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون . . لأن المراد التهديد والوعيد .

"

التالي السابق


الخدمات العلمية