الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 317 ] القول في علل هذا الباب

                                                                                                                                                                                                                                      قد بينت في “الكبير” أصل زيادة الواو والياء على هاء الكناية، وعلة كسر الهاء إذا كان قبلها ياء ساكنة، أو كسرة، وأنا مقتصر ههنا على ذكر نكت في علة الصلة والحذف إن شاء الله.

                                                                                                                                                                                                                                      فمن وصل الهاء على كل حال، سكن ما قبلها أو تحرك; فإنه جاء به على الأصل، واعتد بالهاء حاجزا بين الساكن الذي قبلها والزيادة التي بعدها; لأنها - وإن كانت خفية- لا تخرج بخفائها عن أن تكون حرفا يحجز بين الساكنين، وقد اعتدوا بما هو أضعف من الهاء; وهو الحركة، فقالوا: (العنب)، فلم يقلبوا النون ميما حين حالت حركتها بينها وبين الباء; كما قلبوا إذا لم تكن حركة تحجز بينهما; نحو: (العنبر)، ويقوي ذلك: أن خفاء الهاء إذا سكن ما قبلها أشد منه إذا تحرك ما قبلها، فإذا بينوها بزيادة الصلة عليها مع تحرك ما قبلها; [ ص: 318 ] فأن تبين إذا سكن ما قبلها أولى.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن حذف الصلة إذا سكن ما قبلها; فإنه راعى خفاء الهاء; لأنه يصير إذا زاد الصلة كأنه جامع بين ساكنين; لضعف الهاء، وخفائها، وأنها ليست بحاجز حصين; ولذلك قالوا: (لم يرد)، و (لم يردهو) في لغة من ضم؛ لالتقاء الساكنين، على إتباع الضم الضم، ولم يقولوا: (لم يردها); لما لم يعتد بحجز الهاء بين الضمة والألف; فتصير كأنها ألف مضموم ما قبلها، وقد بسطت هذا كله في “الكبير”.

                                                                                                                                                                                                                                      ويقوي الحذف [في ما قبل الهاء فيه] حرف مد ولين: أن حرف المد واللين يشبه الهاء في الخفاء والضعف، وكثيرا ما يكرهون اجتماع الحروف المتماثلة حتى يحذفوا أحد المثلين، أو يقلبوه، أو يدغموه; كقولهم في (وتد): (ود)، وفي (استطاع): (اسطاع)، وما أشبه ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن خالف أصله في {وما أنسانيه إلا الشيطان} [الكهف: 63]، فضم الهاء; [ ص: 319 ] فإنه راعى أصل ياء الإضافة; لأن أصلها الحركة، فحمل الكلمة على أصلها; إذ لو تحركت الياء; لضمت الهاء.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن ضم لأهله امكثوا [طه: 10، القصص: 29]; فإنه [لم] يكره الخروج من كسرة اللام إلى ضمة الهاء; من أجل أن أصل الهاء الضم، ولا يستثقل في الأصل ما يستثقل في الخروج عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      ووجه رواية أبي بكر عن عاصم في لدنه [الكهف: 2]: أنه أسكن الدال من (لدن); كما قالوا: (عضد) و (سبع) في (عضد) و (سبع)، فسكنت الدال وبعدها النون ساكنة، فكسر النون; لالتقاء الساكنين، ثم وصل الهاء بياء لما انكسر ما قبلها، وقد بسطت ذلك في “الكبير”، وما خولفت فيه الأصول سوى هذه الحروف; فعلى وجه الجمع بين اللغتين.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما الهاء المتصلة بالفعل المجزوم; فمن وصلها بياء; فإنه راعى اللفظ، فأثبت الصلة حين تحرك ما قبل الهاء، ومن حذف الصلة، وأبقى الحركة; راعى الأصل، وقدر الحرف الساكن المحذوف، فأجرى الهاء مع حذفه مجراها مع ثبوته; إذ الحذف عارض، ومن أسكن الهاء; فهي لغة معروفة قد استشهدت عليها في [ ص: 320 ] “الكبير” بنحو قول الشاعر: [من البسيط]


                                                                                                                                                                                                                                      وأشرب الماء ما بي دونه عطش إلا لأن عيونه سيل واديها

                                                                                                                                                                                                                                      وشبهه، ووجه هذه اللغة: شبه ياء المتكلم بهاء الإضمار، فشبهوا هاء الإضمار بياء المتكلم في جواز الإسكان; كما شبهوا ياء المتكلم بهاء الإضمار فكسروها في {بمصرخي} [إبراهيم: 22]، وقد ذكرته في موضعه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية