الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              . [ ص: 326 ] فصل ) في تعارض البينتين إذا ( ادعيا ) أي : اثنان أي : كل منهما ( عينا في يد ثالث ) لم يسندها إلى أحدهما قبل البينة ولا بعدها ( وأقام كل منهما بينة ) بها

                                                                                                                              ( سقطتا ) لتعارضهما ولا مرجح فكأن لا بينة فيحلف لكل منهما يمينا فإن أقر ذو اليد لأحدهما قبل البينة أو بعدها رجحت بينته ، ولو زاد بعض حاضري مجلس قبل إلا إن اختفت القرائن الظاهرة على أن البقية ضابطون له من أوله إلى آخره وقالوا : لم نسمعها مع الإصغاء إلى جميع ما وقع وكان مثلهم لا ينسب للغفلة في ذلك ، فحينئذ يقع التعارض كما هو ظاهر ؛ لأن النفي المحصور يعارض الإثبات الجزئي كما صرحوا به ( وفي قول يستعملان ) صيانة لهما عن الإلغاء بقدر الإمكان فتنزع من ذي اليد وحينئذ ( ففي قول يقسم ) المال بينهما نصفين لخبر أبي داود بذلك وحمله الأول على أن العين كانت بيدهما ( وفي قول يقرع ) بينهما ويرجح من خرجت قرعته لخبر فيه مرسل له شاهد ، وأجاب الأول بحمله على أنه كان في عتق أو قسمة ( وفي قول يوقف ) الأمر ( حتى يتبين أو يصطلحا ) لإشكال الحال فيما يرجى انكشافه ( و ) على التساقط ( لو كانت ) العين ( في يدهما وأقاما بينتين ) فشهدت بينة الأول له بالكل ثم بينة الثاني له به ( بقيت ) بيدهما ( كما كانت ) إذ لا أولوية لأحدهما ، نعم يحتاج الأول لإعادة بينة للنصف الذي بيده لتقع بعد بينة الخارج بالنسبة لذلك النصف ، ولو شهدت بينة كل منهما له بالنصف الذي بيد صاحبه حكم له به وبقيت بيدهما لا بجهة سقوط [ ص: 327 ] ولا ترجيح بيد لانتساخ يد كل ببينة الآخر أما إذا لم يكن بيد أحد وشهدت بينة كل له بالكل فيجعل بينهما ، ويحل التساقط إذا وقع تعارض حيث لم يتميز أحدهما بمرجح ، وإلا قدم ، وهو بيان نقل الملك على ما يأتي قبيل قوله : وأنها لو شهدت بملكه أمس إلى آخره ثم اليد فيه للمدعي أو لمن أقر له به أو انتقل له منه ثم شاهدان مثلا على شاهد ويمين ثم سبق تاريخ ملك أحدهما بذكر زمن أو بيان أنه ولد في ملكه مثلا ثم بذكر سبب الملك وتقدم أيضا ناقلة عن الأصل على مستصحبة له ومن تعرضت ؛ لأن البائع مالك عند البيع ومن قالت نقد الثمن أو هو مالك الآن على من لم يذكر ذلك لا بالوقف ولا بينة انضم إليها الحكم بالملك على بينة ملك بلا حكم على المعتمد كما قاله الإسنوي وغيره خلافا للبغوي كما يأتي

                                                                                                                              وممن جزم بالأول أبو زرعة وغيره ، وظاهر كلامه في فتاويه أول الدعاوى أنه لا فرق بين الحكم بالصحة والحكم بالموجب ، وهو ظاهر ؛ لأن أصل الحكم لا يرجح به فأولى حكم فيه زيادة على الآخر ، أما لو تعارض حكمان بأن أثبت كل أن معه حكم القاضي لكن أحدهما بالموجب والآخر بالصحة ، فالوجه تقديم الثاني ؛ لأنه يستلزم ثبوت الملك بخلاف الأول ومر قبيل العارية أن القاضي إذا أجمل حكما بأن لم يثبت استيفاءه بشروطه حمل حكمه على الصحة إن كان عالما ثقة أمينا ، وقد ذكر المصنف أكثر هذه المرجحات بذكر مثلها فقال

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل ) ادعيا عينا في يد ثالث وأقام كل منهما بينة سقطتا . ( قوله : ادعيا عينا في يد ثالث إلخ ) في فتاوى السيوطي ثلاثة وضعوا أيديهم بالسوية على دار فادعى أحدهم أنه يملك جميعها وأقام بينة بذلك ، ثم ادعى الثاني أنه يملك ثلثي الدار وأقام بينة بذلك ، ثم ادعى الثالث أنه يملك ثلث الدار وأقام بينة بذلك فماذا يفعل الحاكم ؟ الجواب لكل منهم ثلثها ؛ لأن بينة كل منهم شهدت له بما في يده وشهدت للأولين بزيادة فلم تثبت الزيادة من أجل المعارضة أما مدعي الكل فلأن بينته في الزائد معارضة بينة مدعي الثلثين في الثلثين وبينة مدعي الثلث في الثلث فتساقطا وسقطت دعواه في الثلثين ، وأما مدعي الثلثين ؛ فلأن بينته في الزائد معارضة بينة مدعي الكل فيه فتساقطا وسقطت دعواه بالثلث الزائد ، وأما مدعي الثلث فبينته لم تشهد بزيادة على ما في يده ولا عارضها بينة مدعي الثلثين ، بل عارضها مدعي الكل ولكن اليد مرجحة فاستقر لكل منهم الثلث الذي في يده وهل هذا الاستقرار باليد فقط أو بها وبالبينة معا ؟ فيه كلام طويل ليس هذا محله ا هـ . ( قوله : فإن أقر ذو اليد لأحدهما إلخ ) فلو أقر بأنها لهما فهل تجعل بينهما ؟ ( قوله : ولو زاد بعض حاضري مجلس ) أي : على بعض . ( قوله : لم يسمعها ) أي : الزيادة [ ص: 327 ] قوله : وشهدت بينة كل له بالكل إلخ ) وكذا بالبعض بالأولى ، بل لا تعارض حينئذ بينهما .

                                                                                                                              ( قوله : فأولى حكم فيه زيادة على الآخر ) يفهم أن هذا في تعارض حكمين : أحدهما بالصحة ، والآخر بالموجب فما معنى مقابلته بما [ ص: 328 ] بعده



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              [ ص: 326 ] فصل في تعارض البينتين )

                                                                                                                              ( قوله : في تعارض البينتين ) إلى قوله : ومحل التساقط في المغني إلا قوله ولو زاد إلى المتن وقوله لخبر أبي داود إلى المتن وقوله : لخبر فيه إلى المتن وإلى قوله : هذا ما أفتى به ابن الصلاح في النهاية إلا قوله : ولو زاد إلى المتن وقوله : ممن جزم إلى لا فرق ( قوله : في تعارض البينتين ) أي وما يتعلق به كما لو ادعى ملكا مطلقا وذكر البينة سببه ع ش ( قول المتن عينا في يد ثالث ) الحاصل أنها إما أن تكون بيد ثالث أو بيدهما أو بيد أحدهما أو لا بيد أحد بجيرمي ( قوله : المتن وأقام كل منهما بينة ) أي مطلقتي التاريخ أو متفقتيه أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة أسنى ومغني ، ولو كان لأحدهما بينة قضى له أنوار ( قوله فإن أقر ذو اليد لأحدهما إلخ ) فلو أقر بأنهما لهما فهل تجعل بينهما سم ويأتي عنه الجزم بذلك الجعل . ( قوله ولو زاد ) أي صنعة مثلا ع ش وقوله : بعض حاضري مجلس أي على بعض سم ( قوله : قبل ) أي ذلك البعض أو ما زاده ( قوله : ضابطون له ) أي لما وقع في المجلس ( قوله : لم نسمعها ) أي الزيادة سم ( قول المتن تستعملان ) بمثناة فوقية أوله أي البينتان مغني ( قوله : الأمر ) مقتضاه أن قول المصنف يوقف بالياء وقال المغني بمثناة فوقية أي العين بينهما ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : لإشكال الحال . إلخ ) ولم يرجح المصنف واحدا من الأقوال لعدم اعتنائه بها لتفريعها على الضعيف وأصحها أي الأقوال الضعيف الأخير أي الوقف نهاية ومغني ( قول المتن ولو كانت في يدهما . إلخ )

                                                                                                                              وفي فتاوى السيوطي : ثلاثة وضعوا أيديهم بالسوية على دار فادعى أحدهم أنه يملك جميعها وأقام بينة بذلك ، ثم ادعى الثاني أنه يملك ثلثي الدار وأقام بينة بذلك ، ثم ادعى الثالث أنه يملك ثلث الدار وأقام بذلك بينة فماذا يفعل الحاكم الجواب لكل منهم ثلثها ؛ لأن بينة كل منهم شهدت له بما في يده وشهدت للأولين بزيادة فلم تثبت الزيادة من أجل المعارضة انتهى ا هـ سم بحذف ( قوله : بالكل ) وكذا بالبعض بالأولى بل لا تعارض حينئذ بينهما سم عبارة المغني محل الخلاف أن تشهد بينة كل بجميع العين فإذا شهدت بالنصف الذي هو في يد صاحبه فالبينتان لم تتواردا على محل واحد فلا تجيء أقوال التعارض فيحكم القاضي لكل منهما بما في يده . إلخ ( قول المتن بقيت كما كانت ) قال البلقيني : هذا يقتضي أن الحكم باليد التي كانت قبل قيام البينتين وليس كذلك وإنما تبقى بالبينة القائمة قال والفرق بينهما الاحتياج إلى الحلف في الأول دون الثاني ا هـ وعليه فلا يتأتى قول الشارح كغيره وعلى التساقط رشيدي ( قوله : نعم يحتاج الأول . إلخ ) هذا لا يتأتى على القول بالتساقط كما لا يخفى وإنما يتأتى على ما قاله البلقيني رشيدي ( قوله : لو شهدت بينة كل . إلخ ) وحيث لا بينة تبقى في يدهما أيضا سواء أحلف كل منهما للآخر أم نكل ولو أثبت أو حلف أحدهما فقط قضى له بجميعها سواء أشهدت له بجميعها أم بالنصف الذي بيد الآخر ومن حلف ثم نكل صاحبه ردت اليمين إليه وإن نكل الأول كفى الآخر [ ص: 327 ] يمين للنفي والإثبات مغني وروض مع شرحه ( قوله ولا ترجيح بيد ) أي بل بالبينة التي أقيمت ع ش ( قوله : أما إذا لم تكن بيد أحد . إلخ ) صوره بعضهم بعقار أو متاع ملقى في طريق وليس المدعيان عنده مغني وسم وزيادي ( قوله : وشهدت بينة كل له ) أي بالكل نهاية ( قوله : وهو ) أي المرجح ( قوله : أو لمن أقر له به ) أي فلو أقر به لهما جميعا فقياس ما تقرر أن يكون بينهما نصفين فليتأمل سم على المنهج . ا هـ . ع ش ( قوله : ثم شاهدان مثلا ) أي أو شاهد وامرأتان أو أربع نسوة فيما يقبلن فيه على ما في ع ش ( قوله : ثم بذكر سبب الملك ) عطف على : ثم سبق تاريخ ( قوله : ناقلة عن الأصل . . إلخ ) كقتل ادعاه وارث ميت وأقام به بينة فتقدم على موت بفراشه شهدت به أخرى ؛ لأن الأولى ناقلة عن أصل عدم عروض القتل والأخرى مستصحبة له فتح الجواد ( قوله لأن البائع . إلخ ) أي لكون البائع نهاية ( قوله : لا بالوقف . إلخ ) عبارة النهاية ولا ترجيح بوقف . إلخ ( قوله : لا فرق بين الحكم بالصحة . إلخ ) أي في بينتين شهدت إحداهما بالملك والأخرى بالحكم فتتساويان سواء أشهدت بينة الحكم به مطلقا أو بالصحة أو بالموجب ع ش ( قوله لأن أصل الحكم لا يرجح به . إلخ ) قال الشهاب ابن قاسم : يوهم أن هذا في تعارض حكمين أحدهما بالصحة والآخر بالموجب فما معنى مقابلته لما بعده . ا هـ . أي مع أن فرض المسألة أن الحكم في أحد الجانبين فقط فإن كان مراد الشارح أن أصل الحكم لا ترجيح به فلا نظر لكونه بالصحة أو بالموجب فلا نسلم الأولوية إذ لا يلزم من عدم الترجيح بالأعم عدم الترجيح بالأخص الذي فيه زيادة مع أنه لا يناسب قوله بعد : على الآخر فتأمل رشيدي ( قوله : حمل حكمه ) إظهار في محل الإضمار ( قوله : بذكر مثلها ) بضمتين جمع مثال .




                                                                                                                              الخدمات العلمية